يقوم الكتاب الذي أصدره مؤخراً الحاخام يتسحق شابيرا تحت عنوان "شريعة الملك" على أساس تطبيق النصوص التوراتية على الحالة المعاصرة. الفكرة الأساسية التي يدعو إليها الكتاب تقوم على أحقية اليهود في قتل الجوييم (أي غير اليهود)، إذا ما هددوا ما يراه المؤلف حقاً دينياً وتاريخياً في فلسطين لليهود سواء جاء هذا التهديد بالقول أو بالفعل، ومن أجل دعم هذه الفكرة فإن المؤلف الرئيسي ومساعده الحاخام "بن اليتسور" يرجعان إلى نصوص أسفار العهد القديم والتلمود ليوفرا لقرائهما من اليهود الأدلة الشرعية، التي تحل لهم سفك دم "الجوي" الذي يهدد أمن إسرائيل بالمفهوم الذي يحددانه وهو مفهوم التوسع والاحتلال. هنا نجد كتاباً يحاول أن يحصن الغزو واحتلال أراضي العرب ضد أي استنكار أو تجريم دولي طبقاً للقانون الدولي، الذي لا يجيز الاستيلاء على أراضي الغير بطريق القوة. الحصانة هنا تكتسب طابعاً دينياً مقدساً مستنداً إلى الوعد الوارد في التوراة لإبراهيم بعد خروجه من أوركلدان موطنه الأصلي في العراق وذهابه إلى أرض كنعان. إن الأمر الجوهري الذي يفصل بين تلك المرحلة القديمة - إن سلمنا بصحتها تاريخياً - وبين الحالة المعاصرة هو أن الرب قد اختار إبراهيم أو إبرام، كما تسميه التوراة، ونسله لحمل رسالة التوحيد ومحاربة عبادة الأوثان والأصنام التي كانت سائدة في العالم القديم كله، وليس في أرض كنعان، التي كانت فلسطين جزءاً منها فقط... إن جوهر الاختيار هنا كما تحدده أسفار العهد القديم يقوم إذن على تكليف بحمل رسالة التوحيد وسط شعوب وثنية. وفي المقابل هذا التكليف، فإن الرب يعد إبراهيم ونسله بأرض معينة، نجد في سفر التكوين آية تعين هذه الأرض وهي الآية 18 من الإصحاح 15 حيث أن التوراة تعترف بوجود إسماعيل كابن لإبراهيم، والمفهوم بالتالي أن وعد الأرض يسري عليه وعلى أبنائه من العرب باعتباره فرعاً رئيسياً من نسل إبراهيم، غير أن الاتجاه الغالب في الفكر الديني اليهودي يستثني إسماعيل ونسله ولا يطبق عليهم هذا الوعد ويقصره على أخيه اسحق ونسله ويخصهم بحمل الرسالة الدينية أي رسالة التوحيد. نلاحظ هنا أن عملية إقصاء لإسماعيل ونسله لإعطاء شرف الرسالة وجزاءها لنسل اسحق أبي يعقوب، الذي يسمى أيضاً في التوراة إسرائيل. النصوص الدينية الواردة في أسفار العهد القديم خاصة سفر العدد وسفر التثنية، والتي تشرع قتال الشعوب الوثنية التي سبقت بني يعقوب أو بني إسرائيل في الحياة في فلسطين وسائر مناطق أرض كنعان، تدور حول مفهوم الحرب الدينية، وهو مفهوم يزداد وضوحاً في سفر يشوع بن نون، الذي يروي قصة حروب بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر أثناء محاولتهم دخول فلسطين، فالفكر الديني في العهد القديم والتلمود يصور هذه الحروب أو المعارك ضد سكان الأرض على أنها حروب تشنها أمة الإيمان والتوحيد بقيادة الرب ومباركته وإرشاده ونصره على شعوب وثنية تعيش في الأرض وتمتلكها وتزرعها وتعمرها كما يرد في سفر الخروج إصحاح 13 آية 17 وغيرها من الآيات. السؤال الذي يجب أن يواجهه الحاخام شابيرا وأمثاله سؤال فارق بين هذا الوضع القديم والوضع الراهن، ذلك أن العرب الذين يعيشون اليوم في فلسطين من المسيحيين والمسلمين هم امتداد لرسالة التوحيد على عكس الشعوب الوثنية القديمة، ألا يجب أن تغير هذه الحقيقة الإيمانية من مفهوم قتالهم كجوييم كفار والذي يعتمده شابيرا؟