في هذا اليوم الذي نفرح فيه أقول لكم كل عام وأنتم بخير، فمن نعم الله على العباد أن جعل لهم في أيامهم زمناً يتذكرون فيه السعادة التي نسيها الكثير من الناس اليوم، تأتي هذه الوقفة كي يعالج فيها الإنسان أحد أهم أسراره واستقراره، هل أنا سعيد؟ سؤال يطرحه الإنسان على نفسه وهو يرتدي الجديد ويعانق القريب والبعيد، ويزف له الناس من حوله رسائل العيد السعيد، فإن كان الجواب إيجابياً أقول لصاحبنا أنت الإنسان المطلوب في هذه الحياة، فقد خلقك الله على الأرض كي تعيش كل يوم في سعادة، وتمضي حياتك وأنت في عبادة، لكنها ليست العبادة بمفهومها الضيق كما يعتقد البعض، فالعبادات لهما مفهومان ضيق وواسع فأما الضيق فهو ما افترض الله تعالى على عباده من عبادات كالحج مثلًا، والذي من الواجب أن يقوم به الإنسان مرة واحدة في عمره مع الاستطاعة، وهناك عبادات كالصلاة، وهي خمس مفروضة، بلغة أخرى فإن العبادات بمفهومها الضيق هي أحد أهم مصادر السعادة لدى الإنسان، لكن الله تعالى أمرنا بعبادته في كل حين، وهذا هو مفهوم العبادة الواسع، فتبسمك في وجه أخيك صدقة وهو عبادة... إدخالك السرور على الآخرين عبادة، إماطة الأذى عن الطريق عبادة، إتقانك لمتطلبات عملك عبادة، بل حتى لو أتى الإنسان شهوته في حلال فهو في عبادة. وهنا تبرز عظمة هذا الدين وجماله في أنه طلب من المسلم أن يقوم بالأفعال التقليدية وينوي بها العبادة، فتدخل في حسناته، فهو يجمع منها مادام حياً، فهل هناك أجمل من هذا الدين، الذي يحاول البعض بجهله أن يشوه صورته... وهنيئاً لمن أدرك هذه المعاني، وعاش معها، وبها بقية حياته، وهو ينعم بالسعادة . أما من لا يشعر طعماً للسعادة وبالذات في مثل هذا اليوم أقول له: انظر داخلك تجد الجواب، فالسعادة ليست هبة يعطيها لك الآخرون، بل هي رصيد ما تقوم به من أعمال، فانظر ماذا أنت فاعل، تكتشف سر شقاوتك، فالظالم لن يشعر بالسعادة، وإن ضحك، وقاطع الرحم لا يجد طعماً للهناء وان تصنع هذا الأمر... ومن اصطدم مع فطرته الخيرة وحولها إلى سلوك شرير، لن يجد السعادة اليوم ولا غدا. وهنا يطرح سؤال نفسه، حيث أن البعض به كل ما ذكرت من سلبيات وأكثر ومع ذلك فهو سعيد، أقول باختصار شديد هو يدّعي السعادة، ويحاول أن يقنع بهذا القناع غيره بقوله امضِ معي أنت سعيد، لكن لو نظرت إلى أعماق هذا الإنسان، وتأملت ما تحت القناع، لرأيت أن دنياه ضيقة، وإن كان يملك الدنيا وما رحبت، لأنه لم يملك ذاته. العاقل اليوم هو سعيد لسعادة الناس، وهو سعيد غداً لأنه امتلك مصادر السعادة التي لا تشترى بالمال، والحزين الفعلي هو من تصنع السعادة، وهو ماقت لنفسه ظالم لها لأن سعادته ظاهرة، ليس لها باطن أو هي رسمة لكنها مقلدة. فهل آن لنا البحث عن مصادر السعادة الفعلية؟ وكل عام وأنتم إلى السعادة أقرب.