تأثير تغير المناخ بالنسبة للضابط المتقاعد في القوات البحرية الكولومبية "جرمان ألفونسو" ليس وهما، بل حقيقة. وما عليك إلا أن تسأله عن الوقت الذي تحول فيه حيه في هذه المدينة التاريخية الساحلية إلى جزيرة. فعلى مدى خمس سنوات كان ألفونسو، البالغ من العمر 74 عاما، شاهدا على ارتفاع المد البحري في منطقة "بوكا جراندي" في قرطاجنة. وهذا الشهر فقط، غمر المدُّ لفترة وجيزة الطريقَ الوحيد الذي يسلكه ألفونسو لبلوغ الحي حيث يقطن، وهو عبارة عن حاجز رملي حيث تم إنشاء حوالي 60 مبنى وفندقا على مدى السنوات العشر الماضية. وفي هذا الإطار يقول ألفونسو: "في الماضي، كان الناس يعتبرون ذلك ظاهرة عادية، لكننا اليوم أصبحنا أكثر وعياً بأن شيئا ما يحدث"، مضيفا: "إذا استمر البحر في الارتفاع، فإن حركة المرور يمكن أن تنهار". والواقع أنه استنادا لدراسة للبنك الدولي تم تحديثها مؤخرا حول تغير المناخ في أميركا اللاتينية، يمكن القول إن لدى ألفونسو وجيرانه أسبابا وجيهة ليشعروا بالقلق؛ حيث يقول التقرير إن تأثيرات ارتفاع حرارة كوكب الأرض ليست أكثر وضوحا في المدن الساحلية لأميركا اللاتينية فحسب، بل إن الظاهرة يمكن أن تتدهور وتسوء خلال العقود المقبلة لأن مستويات البحر سترتفع إلى أعلى مستوى بالقرب من خط الاستواء. وفي هذا السياق، يقول النقيب في البحرية الكولومبية جوليان رينا، وهو عضو في لجنة حكومية لمراقبة تغير المناخ، إن مستوى البحر في قرطاجنة، المدينة المشهورة بحصونها الكولونيالية الإسبانية وشواطئها، ارتفع بنحو ثُمن الإنش كل سنة على مدى العقد الماضي، ارتفاع يتوقع العلماء أن تزداد سرعته خلال السنوات المقبلة. وحسب بعض السيناريوهات التي يقول مؤلفو الدراسة التي أنجزها البنك الدولي إنها ليست مستبعدة جدا، فإن قرطاجنة وبقية المنطقة الساحلية في الكرايبي قد تشهد ارتفاعا لمستويات البحر إلى ما قد يصل ستين سنتمترا وربما أكثر، بنهاية القرن. بل إن أقل التوقعات تشاؤما تشير إلى إمكانية ارتفاع مستوى المياه في أجزاء من المدينة إلى مستوى الركبة. وفي هذا الصدد، يلفت أحد المؤلفين، عالم المناخ وولتر فيرجارا، إلى أن التوقعات تستند إلى معطيات وعوامل يمكن أن تتغير، لكنه لا يخفي قلقه من إمكانية أن تنتقل المراكز الحضرية في المنطقة الساحلية لكولومبيا على الكرايبي إلى مناطق جديدة. ويقول إن من المدن الأخرى التي توجد في خطر في أميركا اللاتينية ومنطقة الكرايبي هناك "فيراكروز" في المكسيك، وجورج تاون في جويانا، وجواياكويل في الإكوادور. ومن جانبه، يقول الخبير الاقتصادي "جون ناش" الذي ساهم في الدراسة، "إن التوقعات تستند إلى افتراضات مقبولة عموما من قبل العلماء ولا تشمل التأثيرات الكارثية لإمكانية ذوبان متقدم للجليد في القارة القطبية الجنوبية أو جرين لاند". والواقع أنه حتى وفق أهون السيناريوهات، يشعر فيرجارا وعلماء آخرون بالقلق على مصير "سيناجا جراندي" في كولومبيا، وهو مستنقع تنتشر فيه أشجار المنجروف على مساحة بمئات الأميال المربعة لأن نظامه البيئي يمكن أن يموت بسبب ازدياد الملوحة الناتجة عن ارتفاع المد البحري. كما يمكن أن تختفي الغابات ويضطر الصيادون إلى النزوح عن مناطقهم. والحقيقة أن الزراعة في كولومبيا وبلدان مدارية أخرى توجد في خطر أكبر مقارنة مع الولايات المتحدة وكندا وأوروبا لأن درجات الحرارة أعلى نسبياً في البلدان القريبة من خط الاستواء، والزيادات ستكون مضرة أكثر بالنسبة لظروف النمو، كما يقول ناش. وفي هذه الأثناء، يقول رئيس قسم التخطيط في مدينة قرطاجنة، خافيير موثون، إن الحكومة المحلية واعية بما يمكن أن يحدث في المستقبل وتُعِد مخططات تشمل "عملية تأقلم" على المدى الطويل. ويشمل ذلك طرقا جديدة ونقل مرافق ومنشآت المدينة إلى أماكن جديدة من أجل تلافي المناطق المهددة بالفيضانات بشكل نهائي. وفي هذا الإطار، تنكب قرطاجنة حاليا على دراسة إمكانية بناء حواجز أو حَفْر حُفَرٍ لتجميع المياه، إضافة إلى إمكانية التنصيص على ضرورة أن تكون أسس كل مشاريع البناء أعلى بحوالي 50 سنتمترا من المستوى المعتمد حاليا. ويقول موثون: "إننا قلقون لأنها مشكلة تتفاقم عاما بعد عام". وإضافة إلى ذلك، شرع نائب الرئيس الكولومبي فرانسيسكو سانتوس في عقد الاجتماعات مع الحكام والعمد للتنبيه إلى التداعيات الممكنة لتغير المناخ والحاجة إلى تعديل تخطيط المدن والمناطق وفق ذلك. غير أن العديد من السكان يبدو أنهم واعون بتأثيرات ارتفاع حرارة الأرض على نحو فضفاض فقط. ففي مشروع برج سكني جديد يدعى "باهية جراندي" يوجد قيد الإنشاء بالقرب من منزل ألفونسو، تعترف موظفة البيع راسيو بويلفاس بأن جل المشترين المحتملين لا يثيرون الموضوع إذ تقول: "إنهم يعتبرونها مشكلة فقط خلال شهرين في السنة؛ لكنني أعتقد أن الأمر سيتحسن عندما يصلحون نظام المجاري". كريس كرول – قرطاجنة، كولومبيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن وواشنطن بوست"