طبقا لآخر نتائج استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة، هبطت شعبية أوباما لـ49 في المئة، وهي أقل نسبة تأييد للرئيس، منذ أن تولى منصبه مطلع هذا العام. ليس هناك شك في أن الآمال والتوقعات الكبيرة التي أثارها أوباما سواء في الداخل أو الخارج، قد تآكلت إلى حد خطير ذلك لأن الخطابة البليغة شيء، والإنجاز على الأرض شيء آخر تماما. في السياسة الخارجية، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالشرق الأوسط الكبير، بدت مقاربة أوباما التصالحية الحريصة، المترددة مرتبكة في معظم الحالات، أو مصابة بانهيار عصبي في بعضها. وفيما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي، الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه أهم سبب من أسباب العداء الذي يكنه العرب والمسلمون للولايات المتحدة، سمح أوباما لرئيس الحكومة الإسرائيلية اليميني المتطرف "بنيامين نتنياهو" بتحديه. فعلى الرغم من أن أوباما قد دعا إلى تجميد تام لعملية بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، استمر البناء دون توقف، خصوصاً في القدس الشرقية. وقد عبر المتحدث الرسمي باسم أوباما عن استياءه لهذا الأمر، ولكنه لم يقل أو يفعل ما هو أكثر من ذلك. وبخصوص المسألة الأفغانية، فإن قرار أوباما المنتظر منذ مدة طويلة، والمتوقع إعلانه نهاية هذا الشهر، يمكن أن يتضح في النهاية أنه ليس سوى محض هراء. ففي الوقت الذي يريد قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال "ستانلي ماكريستال" المزيد من القوات، نجد أن الآراء سواء في الولايات المتحدة أو في الدول الأوروبية الحليفة لها قد انقلبت ضد هذه الحرب. وأرى، فيما يتعلق بهذه المسألة، أن قرارا أميركيا جريئا بفك الاشتباك مع هذه الحرب ـ من خلال مؤتمر دولي ربما ـ وترك أفغانستان للأفغان، سوف يكون أمرا حكيما. بيد أن الاحتمال الأرجح في هذا الصدد هو أن يختار أوباما طريقا وسطا لن يرضي أي أحد. قد يقرر مثلا إرسال مزيد من القوات وإن بأعداد أقل مما يريد قادته، وقد يقرر التفاوض مع القيادات المعتدلة في طالبان، إذا ما كان لمثل هذه القيادات وجود، وهو أمر غير محتمل على العموم. وفيما يتعلق بالموضوع الإيراني، فإن محاولة أوباما المبكرة لوضع نهاية لثلاثين عاما من العداوة العقيمة مع طهران، تبدو وكأنها لم تصل إلى شيء حتى الآن. أما الصفقة التي توسطت فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شهر أكتوبر الماضي، والتي بدت وكأنها يمكن أن تنزع فتيل أزمة خطيرة حول البرنامج النووي الإيراني، فلم ترد عليها إيران حتى الآن رسميا، كما لا يبدو من تصرفاتها وتصريحات مسؤوليها، أنها ستوافق عليها في نهاية المطاف. كان الاقتراح الذي تضمنته هذه الصفقة، ينص على إرسال إيران لكمية تبلغ 1200 كيلو جرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب- وهو ما يمثل 75 في المئة تقريبا من مخزونها المعروف من هذه المادة- إلى روسيا، ومنها إلى فرنسا، لمزيد من المعالجة، قبل أن يتم إعادتها مرة أخرى إلى طهران على هيئة قضبان وقود من النوع الذي يستخدم لعلاج الأمراض السرطانية في مفاعل طبي. في البداية بدا الرئيس الإيراني، وكأنه يقبل الصفقة، وذلك عندما أثنى في خطاب له على ما أطلق عليه "عهد التعاون النووي مع الغرب"، ولكن إيرانيين آخرين بارزين مثل رئيس البرلمان، عاد فشجب تلك الصفقة، ووصفها بأنها فخ غربي. يعني هذا أن أوباما لم يكن أفضل من سلفه بوش عندما عاد مجدداً للحديث عن فرض عقوبات على إيران، بعدما بدا أنها تماطل وتتلاعب بشأن الصفقة موضوع البحث، كما أن رئيس البرلمان الإيراني لم يختلف في رد فعله عن سابقيه حيث قيل إنه قد صفق وردد هتاف "الموت لأميركا" الذي انطلق في جنبات مجلس النواب الإيراني. قبل أن يقرر ما الذي يتعين عليه عمله بالنسبة للشأن الإيراني، فإن ما أوباما على ما يبدو يريد تأجيل البت في هذا الموضوع إلى نهاية العام، ولكن ما لا شك فيه أنه قد أغضب طهران عندما ألمح إلى فرض المزيد من العقوبات عليها. وبعد المباحثات التي أجراها الرئيس الأميركي مع نظيره الروسي "ديمتري ميدفيديف" في سنغافورة الأسبوع الماضي، أدلى بتصريح حذر فيه من أن الوقت يمر بسرعة".. وبعد أن أجرى مباحثات مع الرئيس الكوري الجنوبي" لي ما يونج ـ باك" في سيؤول عاد أوباما لطرق الموضوع مرة أخرى عندما قال " إن الإيرانيين على ما يبدو غير قادرين على النطق بكلمة نعم... وهذا دفعنا للبدء في مباحثات مع شركائنا الدوليين حول أهمية وضرورة أن تكون هناك نتائج للاقتراح الذي قدمناه". ما هي النتائج التي يفكر فيها أوباما يا ترى؟. قد تلزم الإشارة في هذا السياق أن المدير المنصرف للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، قد أعلن عن خيبة أمله عندما أدلى بتصريح الجمعة الماضي قال فيه"سأكره أن نتحرك باتجاه العقوبات مرة أخرى، فالعقوبات لا تؤدي إلى حل شيء في نهاية المطاف" ويمكن لي أن أضيف إلى تصريح البرادعي أيضا أن الصين وروسيا اللتين ترتبطان بعلاقات تجارية واستراتيجية قوية مع إيران لن تؤيدا ـ في جميع الحالات ـ فرض عقوبات أشد قسوة على إيران. وجوهر الرفض الإيراني لصفقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتمثل في اعتقادها أن الغرض منها هو حرمان إيران من الاستمرار في تخصيب اليورانيوم على أراضيها، حتى لو كان ذلك للأغراض السلمية على الرغم من أن ذلك يعتبر حقا واضحا لها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي. وسر اللعبة هذه تم الكشف عنه من قبل وزير خارجية فرنسا "برنارد كوشنير" عندما أدلى بتصريح لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قال فيه: لقد طلبنا استلام كميات كبيرة من اليورانيوم المنخفض التخصيب من إيران، لأننا لا نريدهم - على الرغم من أننا نقوم بتخصيب اليورانيوم بالنيابة عنهم - أن يستمروا بأنفسهم في تخصيب اليورانيوم الذي قد يستخدم في يوم ما لأغراض عسكرية". إذا ما كانت تلك هي نية الغرب حقاً، فلن يكون هناك ما يدعو للاستغراب في أن ترفض إيران هذه الصفقة. فكما أشارت تقارير إخبارية نشرت في التاسع عشر من نوفمبر الحالي، فإن وزير الخارجية الإيراني "مانوشهر متقي" أدلى بتصريح لوكالة ISNA، وهي وكالة أنباء طلابية قال فيه" بالقطع، لن ترسل إيران وقودها النووي المنخفض التخصيب للخارج". من الواضح إذن أن طهران لا تثق بالغرب، وتشك أنه يحاول أن يقلل من قدرتها وصولاً إلى مرحلة العجز، كما أنه من الواضح بنفس الدرجة أن الموضوع النووي قد أدى إلى مفاقمة الصراع داخل النخبة السياسية جاعلا الموافقة على الصفقة أكثر صعوبة من ذي قبل. ولكن قلب المسألة قد يكمن في حاجة إيران المفهومة إلى قوة ردع. ففي مواجهة التهديدات المتكررة بشن هجوم عليها من جانب إسرائيل، بل من جانب الولايات المتحدة ذاتها، تريد إيران أن يكون لديها وسائل الدفاع عن النفس. قد لا يعني ذلك تصنيع سلاح نووي، ولكن من المؤكد أنه يعني أن طموح إيران يتمثل في الوصول إلى ما يطلق عليه "مرحلة العتبة النووية"، أي الحصول على القدرة على تجميع سلاح نووي بسرعة إذا ما تطلب الوضع ذلك.