أُثير ذلك السؤال في مؤتمر جمع عدداً من كبار المفكرين والمثقفين، نظمته الأسبوع الماضي مجلة Foreign policy، وهو إلى حد ما سؤال يعكس حالة انحسار أميركي متكرر من وقت لآخر، خاصة عندما يتراجع أداء الاقتصاد. لكن كثيراً ما أظهرت الولايات المتحدة أنها أكثر قدرة على تجاوز الأزمات التي تمر بها مما يتوقع المتشائمون، قياساً إلى الانتكاسات التي مرت بها الدول والنظم الأقل ديمقراطية في الاتحاد السوفييتي سابقاً خلال عقد الستينيات، والتجربة اليابانية خلال عقد الثمانينيات، بسبب سيطرة نظام الحزب الواحد عليها. وفي العقد الحالي، تواجه الصين الشيوعية تحديات كبيرة ربما تبدو أكثر وضوحاً بمضي الوقت. وبينما لا يزال مصير خطة إصلاح نظام الرعاية الصحية الأميركي مجهولاً حتى الآن، فإن الأسئلة المرتبطة بها تظل مفهومة في نهاية الأمر. والمقصود بهذا أن الأجانب المراقبين لتطورات المشهد السياسي في بلادنا، ينظرون إلى حزب ديمقراطي يؤرقه خطر التغير المناخي، وتمكن من تحقيق أغلبية مريحة في كلا مجلسي الكونجرس قبل عام من الآن، ومع ذلك لن يكون بيد ممثلي الإدارة في مؤتمر كوبنهاجن للتغير المناخي، المرتقب انعقاده خلال الشهر المقبل، سوى حزمة من الأماني والوعود. ومع هذه التوقعات، فليس مستغرباً أن يسود الاعتقاد باحتمال تأجيل التشريعات الخاصة بتحديد سقف لانبعاثات الكربون، لفترة قد تطول على العام، وربما حتى موعد انعقاد الكونجرس الجديد! وفي الوقت نفسه يلاحظ مضي أكثر من عام على انتخاب الرئيس أوباما، مع أنه لم يتمكن من تعيين سوى نسبة 55 في المئة من مسؤولي إدارته الذين أجازهم مجلس الشيوخ. فقد رشح أوباما عدداً قليلاً جداً من القضاة، وحصل موافقة من مجلس الشيوخ على عدد أقل منهم. ولا يزال مشروع إصلاح قانون العمل الذي دفعت به النقابات والاتحادات المهنية إلى رأس أجندة عمل الرئيس واهتماماته، معلقاً. وفي حين يكاد يتفق الجميع على اهتراء قانون الهجرة الأميركي الحالي، فإنه ليس من مؤشرات على إصلاحه تلوح في الأفق حتى الآن. كما لا توجد أي سياسات تجارية يعول عليها للإدارة الحالية. وبسبب المأزق الذي يبدو انزلاق الإدارة إليه في أفغانستان، فقد ظل البيت الأبيض يراوح في معضلة اتخاذ القرارات وصنع السياسات اللازمة لمواجهة مختلف التحديات. كما يتضح يوماً بعد آخر ضعف القوة الأميركية وعجزها عن التأثير على مسار الأزمتين النوويتين، الإيرانية والكورية، وسلسلة الأزمات الأخرى في الشرق الأوسط والسودان والكونجو، وصولاً إلى عجز القوة الأميركية عن التأثير حتى على مجرى أحداث هندوراس المجاورة لنا جنوباً. وتحت هذا كله يكمن تراكم ديون الخزانة الفيدرالية للدول الأجنبية، وتأثيراتها على حياة الأجيال القادمة من الأميركيين. وبالنتيجة يلاحظ انزلاق نظام الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية الخاصة بالمسنين Medicare نحو الإفلاس. وفي الاتجاه نفسه تمضي صناديق المعاشات المحلية والولائية، مضافاً إليها صندوق المعاشات الفيدرالي. وبينما يكاد يتفق الكل على أهمية خفض الحكومة لمعدلات استهلاكها مقابل رفع معدلات الضرائب المفروضة على المواطنين، يبدو أنها عاجزة عن السير في أي من الاتجاهين. ثم ألم يعد المرشح الرئاسي أوباما حتى بإصلاح أداء مباريات "باول" الطلابية لكرة القدم؟ لا شك أن الكثير من المواطنين يلومون أوباما ليس على سوء أداء موسم العام الحالي لكرة القدم فحسب، إنما يلومونه أيضاً على مجموعة المشكلات الأخرى التي تواجهها بلادهم. فهناك من يعتقد أنه تجاوز الحد ومضى بأسرع مما هو مطلوب في تفسير وتنفيذ صلاحياته الانتخابية، مقارنة بضيق الفرص التي أتاحتها له ظروف الأزمة الاقتصادية الحالية. وهناك من يعتقد أنه مضى في تنفيذ تلك الصلاحيات بمستوى أقل بكثير من المطلوب، ما أعطى الكونجرس فرصة للي ذراع الرئيس والتحكم التام بإصدار التشريعات. كما تلاحظ أحياناً الانقسامات الداخلية بين الأميركيين. فرغم اتفاق معظمهم على أهمية تحسين نظام الرعاية الصحية، فإن الخطوات المطلوبة لإصلاحه تؤجج الخلافات والانقسامات الداخلية هذه. وإثر سريان قاعدة الـ60 صوتاً في جلسات مجلس الشيوخ، فُرضَ المزيد من القيود وأُعطيت ولايات فلاحية صغيرة فرصةً كبيرةً لحجب قرارات المجلس وتشريعاته، وهو ما لا يتناسب وجوهر الممارسة الديمقراطية الحقيقية. وفي الوقت نفسه علت نبرة الأصوات الأقوى والأشد انفعالاً عبر الفضائيات والقنوات التلفزيونية ومواقع شبكة الإنترنت. وأياً تكن تفسيرات ما يحدث الآن في حلبة الحوار العام الأميركي، فمما لا ريب فيه أن حالة الشلل التي تواجهها بلادنا الآن، تستدعي التعجيل بإصلاح نظام الرعاية الصحية. ذلك أن من شأن الفشل في هذا الإصلاح أن يعصف برئاسة أوباما ووعود تغييره، في ذات الوقت الذي تظهر فيه بلادنا بمظهر الدولة الضعيفة العاجزة، في نظر العالم الخارجي كله. وللمفارقة، فإنه لابد لنا من التأكد من صحة إصلاحنا لنظام الرعاية الصحية. ففيما لو اكتفت الإدارة والكونجرس بإجازة فوائد رعاية صحية إضافية أكبر تكلفة، دون إصلاح النظام نفسه أو خفض تكلفته، فسوف يكون ذلك إنجازاً يحسب لهما بحد ذاته، غير أنه لن يكون من نوع الإنجازات التي تطمئن المواطن الأميركي والعالم الخارجي على قدرة أميركا على القيام بمهامها كما ينبغي على المدى البعيد. فريد حياة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"