إذا كان التاريخ يكرر نفسه بشكل أو بآخر، فإن تاريخ مؤتمرات تغير المناخ العالمي يكرر نفسه بشكل هزلي دائماً. لقد كنتُ هناك، ورأيت التاريخ كيف يهزل في كل مرة، ولم يبق لي سوى الانضمام إلى راكبي دراجات هوائية من مختلف البلدان سيحاصرون في الشهر المقبل مؤتمر تغير المناخ العالمي في العاصمة الدانمركية كوبنهاغن، مطالبين بوقف مهزلة التاريخ. وإذا كنا نريد ردّ الاعتبار للتاريخ فإن الراية ينبغي أن تُعقد للعرب في المؤتمر الذي تشارك فيه 192 دولة، ليس لأن العرب يملكون النفط الذي يعتبر سبباً أساسياً لتغير المناخ العالمي، بل لأنهم أسسوا أكبر جائزة علمية في التاريخ، مقدارها مليون ونصف المليون دولار، وهدفها إيجاد طاقة بديلة. ونبدأ بالتاريخ، حيث كنتُ واحداً من 8749 صحفياً من جميع أنحاء العالم يغطون مؤتمر "قمة الأرض" الذي عقد في يونيو 1992 في ريو دي جانيرو بالبرازيل. أقرّت القمة، والتي شارك فيها زعماء 114 دولة "اتفاقية المناخ". الهدف الرئيسي للاتفاقية هو عكس عقارب الساعة لتراكم غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي ينبعث عن حرق النفط والفحم ووقود الأحفورات الأخرى، ويقيم ما يشبه غرفة زراعة مغطاة "دفيئة" تحيط بالكرة الأرضية، وتؤدي إلى ارتفاع الحرارة العالمية ومستويات البحار، وكوارث الفيضانات والعواصف المدّمرة. وسواء أكان تغير المناخ العالمي حقيقة علمية أو محض اختلاق، فإن لتاريخها تاريخا. فاتفاقية المناخ ثمرة أبحاث ومفاوضات بدأت منذ "مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بالبيئة البشرية" عام 1972 في العاصمة السويدية استوكهولم. واستغرق إعداد بروتوكول تنفيذ اتفاقية المناخ الذي يُفترض أن يجدده مؤتمر "كوبنهاغن" القادم خمس سنوات. وكان الاتفاق على البروتوكول في مدينة "كيوتو" باليابان في ديسمبر عام 1997 واحداً من أكبر الفصول الهزلية في تاريخ المؤتمرات العالمية. تركزت المفاوضات طوال الليلة الأخيرة للاجتماع على التزام الدول الصناعية الغنية بخفض انبعاث الغازات بنسبة تتراوح بين 5 و8 في المئة من مستوياته عام 1990. وجهل نصف المفاوضين الذين كانوا يغطون في النوم على كراسيهم، أن الاتفاق قد تمّ. وانفض مؤتمر "كيوتو" من دون الإعلان عن النص النهائي لبروتوكول "كيوتو" الذي كان على رئيس المؤتمر تدّبر وضعه من دفتر ملاحظاته! وبلغ الهزل ذروته بإعلان الرئيس الأميركي بوش تخلي واشنطن عن بروتوكول "كيوتو"! وفي هذا الأسبوع كرر التاريخ نفسه بشكل هزلي عندما أعلن الرئيس الأميركي أوباما تراجعه عن وعده بأن يكون مؤتمر كوبنهاغن نقطة تحول في حماية المناخ العالمي. والمطلوب في مؤتمر كوبنهاغن هو الاتفاق على المرحلة الثانية من بروتوكول "كيوتو" التي تلتزم بموجبها الدول الصناعية الغنية بخفض انبعاث غازات الكربون بنسبة تتراوح بين 25 و40 في المئة عن مستوياته عام 1990. وروح الهزل وحدها تبرر الادّعاء بأن سبب التراجع قلة الوقت الكافي لإعداد البروتوكول الجديد. ماذا إذن كان يفعل العلماء والدبلوماسيون والسياسيون في اجتماعات إعداد البروتوكول التي جرت في بوينس آيرس، وبون، ولاهاي، ومراكش، ونيودلهي، وميلان، ومونتريال، ونيروبي، وبالي، وبوزنان، وبيتسبرغ، ونيويورك؟ اجتماع بالي بأندونيسيا رسم خريطة الطريق التفاوضية حول البروتوكول الجديد، واجتماع نيويورك الذي عُقد في 22 سبتمبر الماضي في مقر الأمم المتحدة كان في الواقع "قمة" شارك فيها 101 من زعماء العالم. وكل من تابع اجتماعات المناخ العالمي يعرف أنها كسنوات العمر تطوي خيامها وتمضي، فيما يترنح سكان الكرة الأرضية ما بين الاستسلام لما يسميه الفيلسوف الألماني هيغل "اليأس الجميل" و"الآمال المخيفة" التي تبعثها مشاريع العلماء لإقامة عالم آمن ومنصف ونظيف. الأزمة المالية العالمية تدل على أن ما حدث في الاقتصاد قد يتكرر في المناخ، فالجذور مشتركة للمشكلتين، والحل واحد. تشير إلى ذلك أكثر الحلول المطروحة جدية وجدوى، والتي تنص على عقد صفقة ضرائبية مالية دولية يذهب جزء من ريعها لدعم استراتيجيات صناعية خضراء للدول النامية، تساعدها على تأمين صناعة السلع الضرورية لسكانها دون الإضرار بالمناخ العالمي وتلويث البيئة. وترجح دراسة للحكومة النمساوية أن تحقق ضريبة تقل عن نصف من الواحد في المائة على الصفقات المالية التي تعقدها المصارف والمؤسسات المالية البريطانية مائة مليار جنيه استرليني سنوياً. نصف هذه الموارد يمكن أن يصحح العجز الهيكلي للدول الغنية، فيما يتيح النصف الثاني للدول النامية اتباع استراتيجيات صناعية قليلة الكربون. إيجاد حلول تكنولوجية واقتصادية مبتكرة موضوع جائزة "الشيخ زايد لطاقة المستقبل". وهدف الجائزة "تشجيع المبدعين في مجال الطاقة العالمية على إيجاد حلول لا نكاد نتصورها حالياً". والجائزة مفتوحة للأفراد والشركات والحكومات والمنظمات غير الحكومية التي تقدم مساهمة باهرة في الاستجابة العالمية لمستقبل الطاقة وتغير المناخ العالمي في مجالات، مثل: مصادر الطاقة المتجددة والمستديمة، والاستخدام الأمثل للطاقة غير المتجددة، وحفظ الطاقة، وسياسات الطاقة، والتواصل ورفع وعي الجمهور العام. ترعى الجائزة "شركة أبوظبي لطاقة المستقبل"، وهي شركة عامة معروفة عالمياً باسم "مصدر"، وتضم مركزاً للبحوث، و"معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا"، وهو أول معهد عال في العالم لتخريج متخصصين في مواضيع الطاقة البديلة، وتكنولوجيات البيئة. تبلغ قيمة جائزة "الشيخ زايد لطاقة المستقبل"، والتي ستُعلن نتائجها مساء التاسع عشر من شهر يناير المقبل، مليونا ونصف المليون دولار، لكن قيمتها المعنوية لا تُقدرُ بثمن. فالجائزة تحمل اسم مؤسس دولة الإمارات التي تحولت خلال عهده من أراض قاحلة على تخوم صحراء الربع الخالي إلى بلد يضم مدناً أصبحت ذات شهرة بالخضرة والمتنزهات والحدائق. وتعتبر طريقة الشيخ زايد في تحلية مياه البحر لسقي الأشجار، طريقة رائدة في تأسيس ما يطلق عليها اسم "الهندسة الجغرافية". أجرأ مشاريع هذه الهندسة عرضها أخيراً إيغور ألينوف، وديفيد رند، المختصان بنمذجة المناخ في وكالة الفضاء الأميركية "ناسا". ويقدم المشروع حسب دراسة العالمين المنشورة في "مجلة التغير المناخي" Journal of Clmatic Change "أفضل طريق للسيطرة الكاملة على الغازات التي تسبب الاحترار العالمي". ويتم ذلك عن طريق زرع غابات من الأشجار السريعة النمو في "الصحاري الكبرى" تُسقى بواسطة سلسلة من شبكات تحلية مياه البحر. ويقيم الغطاء الشجري نظامه الجوي الخاص، وأمطاره، فيما يمتص أكثر من ثمانية مليارات طن من غازات ثاني أوكسيد الكربون التي تطلق سنوياً. كلفة المشروع تقل عن تريليوني دولار، وهو مبلغ زهيد لتحويل الصحاري الكبرى إلى واحة عظمى.