تعرضت الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية لعدوان آثم من قبل مجموعة من العصابات التابعة للحركة الحوثية في الأسبوع الماضي. وكانت الحدود السعودية مع اليمن التي يبلغ طولها حوالي 800 كم ويتخللها الكثير من الجبال الوعرة، وتطل على مناطق زراعية في منطقة جيزان، شبه مفتوحة أمام مجموعات من المتسللين، الذين يصل بعضهم إلى المملكة طلباً للعمل، وهرباً من البطالة المتفشية بشكل كبير في بعض المناطق اليمنية. وكانت المملكة تغض النظر عن مثل هذه التسللات نظراً لما يربط المملكة بأشقائها اليمنيين من روابط الجوار والأخوة العربية والإسلامية، حتى أصبح في المملكة أكثر من مليون عامل يمني، وأخذوا يحلّون محل العديد من أنواع العمالة الآسيوية. وقد عرف عن اليمنيين الصبر والجلَد والمثابرة في أعمالهم، وهو ما ساهم في نجاحهم في الأعمال والأشغال المنوطة بهم. ولم يكن هناك تواجد للقوات المسلّحة السعودية في تلك المناطق، سوى قوات دوريات تابعة لحرس الحدود، تجابه تهريب بعض المواد الممنوعة من قبل المهربين، وتدخل معهم في مناوشات لا ينفك هؤلاء المهربون بعدها من الارتداد إلى المناطق التي قدموا منها. وكانت المملكة قد بدأت في بناء أسلاك شائكة على حدودها الجنوبية منعاً لدخول هؤلاء المهربين. ويقال إن زعماء الحركة الحوثية كانوا يستفيدون من حركة التهريب على الحدود فهم يهربون "القات" إلى المناطق الجنوبية، ويشترون المواد الغذائية بأسعار مدعومة رخيصة في الأسواق السعودية ليعيدوا بيعها وبأرباح مجزية في أسواق المدن اليمنية. ولم تكن الحركة التجارية تمثل عائقاً أمام حركة الناس والبشر، وقد تخصصت بعض القرى الحدودية في كونها سوقاً مشتركة مفتوحة أمام البائعين والشارين من مدن المملكة ونظرائهم من التجار اليمنيين. وأعرف أحد زملائي وهو أستاذ للأحياء كان يذهب في بعض الأحيان إلى هذه السوق ليشتري منها بعض النباتات الغريبة، وبعض الحيوانات الصغيرة التي تجلب من بعض القرى اليمنية، ويتم بيعها في هذه السوق. ولم تكن الخوبه هي السوق الوحيدة المفتوحة أمام تجار البلدين. غير أن خطط السعودية لإنشاء هذه الأسلاك الشائكة جاءت لتؤثر سلباً على نشاط هؤلاء المهربين. ويقال إن زعماء الحركة الحوثية كانوا يستفيدون من أرباح تجارتهم في تمويل حركة التمرد التي يقودونها ضد الحكومة المركزية في صنعاء. والحقيقة أن الحركة الحوثية وانشقاقها على المذهب الزيدي المنتشر في اليمن، ومناداتها بإنشاء حكومة إمامية في جيب متاخم للحدود السعودية، تمثل ولاشك تحدياً استراتيجياً عميقاً، ليس فقط لليمن، الذي تحرص المملكة على وحدته واستقراره، ولكن أيضاً للأمن والاستقرار في المملكة العربية السعودية. وحينما بدأ الحوثيون في التسلل إلى جبل دخان السعودي، وبدأوا بإطلاق نيران أسلحتهم على القرى السعودية الصغيرة المتاخمة للحدود اليمنية، لم يعد أمام المملكة من حلّ سوى التصدي لهذا العدوان وإسكاته. ولقد عانى سكان الشريط الحدودي السعودي من العمليات الحربية التي جرت في المنطقة، وأجلوا إلى مناطق داخلية آمنة، وأقفلت إحدى وخمسين مدرسة ابتدائية نتيجة للقصف الحوثي عليها. والحقيقة أن اليمن يعتبر امتداداً استراتيجياً للمملكة، ويهمها نماؤه واستقراره. وقد ساهمت المساعدات الإنمائية السعودية في تطوير الجامعات والمدارس والبنى التحتية في اليمن، حيث توجه المملكة حوالي ربع مساعداتها الخارجية لإنماء الاقتصاد اليمني في شتى مدنه، بدءاً من بناء مستشفى صعدة، إلى دعم الكليات الجامعية في عدن وصنعاء وتعز وغيرها من المدن اليمنية. وقد ساندت السعودية طلب الحكومة اليمنية بالانضمام التدريجي إلى مؤسسات مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وساهمت بمبلغ مليار دولار من أصل خمسة مليارات دولار تم الالتزام بدفعها في مؤتمر لندن للمانحين قبل عامين. ودعم اليمن واستقراره ليس فقط مصلحة للسعودية، ولكنه ضرورة سياسية واستراتيجية ملحّة. أما الحركة الحوثية فإنها وللأسف قد جعلت من نفسها قاعدة لنفوذ إقليمي أجنبي بدأ بالتنامي في جنوب البحر الأحمر. وحسب بعض التقارير التي نشرتها الصحف اليمنية مؤخراً، فإن الحوثيين قد تلقوا خلال السنوات الماضية دعماً ضخماً من قوى إقليمية عبر قاعدة لهم في مدينة "عصب" قريبة من مضيق باب المنتدب الاستراتيجي، ويتم نقل هذه الأسلحة إلى ميناء "ميري" اليمني المقابل لـ"عصب". ولا شك أن زيادة نفوذ تلك القوى الإقليمية في مدخل البحر الأحمر وكذلك على المناطق الحدودية البرية الجنوبية للمملكة يعتبر تحدياً استراتيجياً لليمن وللمملكة العربية السعودية يجب دراسته ووضع الحلول الملائمة لاحتوائه. غير أن الحوثيين بانتمائهم الأيديولوجي الضيق يتجاهلون حقائق الجغرافيا، ويتنكرون لحقوق الجوار. وبدلاً من اللهث وراء السراب الإقليمي لأسباب أيديولوجية، كان عليهم الدخول في بناء مناطق تجارية حرة بين المملكة واليمن، تخدم مواطني كلا البلدين، بدلا من تجارة السلاح وتهريبه والوقوف ضد السلطة المركزية في صنعاء. ومن ناحية ثانية، وبعد انتهاء هذه المعارك مع العصابات الحوثية، فإن واجب الجوار يتطلب من المملكة وصانعي القرار فيها العمل على إعمار المناطق الجنوبية المتاخمة لحدودها في المقام الأول، ورفع كفاءة الإنتاج ودفع عجلة التنمية في اليمن بشكل عام. فلن تتمكن اليمن من الانضمام المستقبلي لمجلس التعاون، إذا كان أربعون في المئة من سكانه لا يستطيعون الحصول على لقمة العيش الكريمة. فتقدم اليمن وازدهاره وتحسّن أحواله هو جزء من المصلحة الاستراتيجية العليا للمملكة ولدول مجلس التعاون. ولن يتحقق ذلك عبر عمليات انفصال أو تمرد ضد الحكومة اليمنية، بل يأتي ذلك عبر تكاتف اليمنيين وتعاضدهم من أجل رفعة اليمن واستقراره ونمائه، وسيذهب الحوثيون إلى مزبلة التاريخ لأنهم طلاب عنف وانفصال وسوء جوار.