من كان يتصور أن القضايا الأساسية التي كانت تتصدر أجندة السياسة الخارجية الأميركية، وتؤرق المسؤولين في واشنطن، قبل عام ستتفاقم أكثر خلال السنة الأولى بعد انتخاب أوباما رئيساً لأميركا؟ فحتى النزاعات، أو الخلافات التي كانت قبل عام واحد في طريقها إلى الحل، أو على الأقل بدأت تخف حدتها وتلين، أصبحت أكثر تدهوراً اليوم مع إدارة أوباما، وليس أوضح هنا من الحالة العراقية التي انتهج فيها الرئيس الجديد الأسلوب ذاته الذي كان متبعاً من قبل سلفه بوش ليبقى خطر الانهيار ماثلا أمام العراق بكل ما قد يمثله ذلك من تهديد للمنطقة. وحتى في أفغانستان تستند سياسة أوباما الى فكرة "الحرب الصائبة" التي تقوم هي أيضاً على فرضية أن النصر يمكن إيجاده في الحملة العسكرية الرامية في النهاية إلى تغيير طبيعة المجتمعات السياسية والدينية لبلدان آسيا الوسطى لتُعاد صياغتها على صورة أميركا، وهي السياسة التي كانت وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس، قد أعلنت عنها، ويُعتمد عليها اليوم من قبل أركان الإدارة الجديدة الذين اكتفوا بتغيير الخطاب دون تغيير السياسة على أرض الواقع. وفي المهمة الأفغانية تحديداً، التي تضغط على الإدارة الأميركية أكثر من غيرها، اقترح مساعدو أوباما ومستشاروه بالطريقة القديمة نفسها ثلاثة خيارات: إما إرسال قوات عسكرية كبيرة إلى ساحة المعركة، أو حصرها في مجموعة صغيرة قد تهدد الحملة العسكرية بسبب عدم كفايتها، أو، ثالثاً، الاستقرار على أمر وسط، وهو ما يبدو الأكثر قبولا في أوساط الإدارة الأميركية إذ لم يبقَ سوى إصدار الأمر النهائي بإرسال القوات إلى أفغانستان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أيدي حركة "طالبان" الزاحفة على المدن والحواضر المهمة في البلاد. والأمر لا يقتصر فقط على أفغانستان، بل تمتد الصعوبات أيضاً إلى كوريا الشمالية مع رجوع بيونج يانج إلى مماطلاتها القديمة والمعهودة، فضلا عن التوتر الذي بدأ يلوح في الأفق ويخيم على العلاقات الأميركية- اليابانية بعد تنصيب الحكومة الجديدة التي شرعت في مراجعة الاتفاقات والتفاهمات القديمة التي كان الحزب الليبرالي الديمقراطي قد أقرها على مدى الستين عاماً الماضية. ومن الواضح أن اليابان في ظل الحكومة الجديدة لم تعد تتبنى النظرة الجيوسياسية ذاتها التي كانت سائدة في السابق، ولم تعد لديها الرؤية ذاتها للأمن في شرق آسيا المتسمة بالسلبية والمتطابقة مع وجهة النظر الأميركية. وعلى المحك اليوم الوضع القانوني للقوات الأميركية المنتشرة في اليابان والتي يبلغ قوامها 47 ألف جندي، فضلا عن دعوات بضرورة توسيع القوة العسكرية اليابانية، لاسيما في ظل الصعود البارز للصين وتطوير أسطولها البحري لتعزيز مطالبها حول بعض المناطق والجزر. ولا ننسى أن الصين أيضاً تواجه علاقات مضطربة مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالقضايا التجارية بعدما فرضت أميركا في 5 نوفمبر الجاري ضرائب وصلت نسبتها 99 في المئة على بعض البضائع الصينية لمنع إغراق السوق الداخلية بالمنتجات الصينية ولحماية الصناعة الأميركية، وبخاصة صناعة الفولاذ، ناهيك عن العجز التجاري في العلاقات بين البلدين الذي يصب لصالح الصين، ثم التلاعب بسعر صرف العملة الصينية الذي يضر الاقتصاد الأميركي. وفي أميركا اللاتينية أثار حصول أميركا على قاعدة جوية في كولومبيا لغطاً كبيراً في الأوساط اللاتينية التي اعتبرت القاعدة محاولة لمواجهة الأسطول الروسي المتمركز قبالة السواحل الفنزويلية، كما أن الطريقة الملتبسة وغير الواضحة التي عالجت بها أميركا انقلاب هندوراس لم تساهم في تبديد أجواء الشك القائمة بين واشنطن والعواصم اللاتينية. ومع أن أوباما فتح آفاقاً جديدة من الأمل بفضل شخصيته المنفتحة وخطابه المتسامح والداعي إلى مد يد الانفتاح والحوار مع الخصوم قبل الحلفاء، ما أشاع جواً من الثقة وحسن النوايا على الصعيد العالمي، إلا أن العديد من الخطوات التي اتخذتها واشنطن في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أغضبت الكثير من المراقبين والفاعلين الدوليين، بل لقد رسخت شعوراً بالإحباط وخيبة الأمل لدى كل من كان يعلق كبير آمال على الإدارة الجديدة. فقد استهل أوباما إدارته بالتزام واضح بإيجاد حل للصراع في الشرق الأوسط بين إسرائيل والعرب، لكن خطته التي انتظرها الجميع بكثير من الصبر والتمني مالت مرة أخرى ناحية إسرائيل على حساب الفلسطينيين مع ما خلفه ذلك من خيبة أمل في نفوس المراقبين. ويبدو أن أوباما أراد انتهاز الظروف الدولية المساعدة، فضلا عن الوضع الداخلي المناسب مع تراجع قوة اللوبي اليهودي الواقع تحت هيمنة الأفكار الليكودية المساندة للاستيطان وظهور تنظيمات يهودية جديدة أكثر ليبرالية متعاطفة مع أوباما وخطاب التغيير، وهو ما شجعه على طرح خطته القائمة على تقديم تنازلات متبادلة تلزم إسرائيل باحترام ما جاء في خريطة الطريق من وقف للمستوطنات التي تشكل عائقاً أمام السلام في مقابل بحث الفلسطينيين للقضايا الأمنية التي تمثل هاجساً حقيقياً لإسرائيل. لكن الخطة فشلت في تحقيق أهدافها بعد التحدي السافر الذي أبدته حكومة نتنياهو لأوباما ليضطر هذا الأخير إلى تغيير لغته الحازمة تجاه الدولة العبرية والانصياع للمطالب الإسرائيلية. وأمام هذا الوضع المحبط لم يجد الرئيس الفلسطيني عباس من مخرج سوى إعلان عدم ترشحه في الانتخابات الرئاسية القادمة ليبقى الشعب الفلسطيني رازحاً تحت وطأة الاحتلال العسكري الإسرائيلي المسؤول عن ظروفه المعيشية الصعبة وعن مصيره المعلق بانتظار التسوية. ويعتقد البعض أن انتهاء حل الدولتين قد يجعل من الفلسطينيين مواطنين يتمتعون بحق التصويت في إسرائيل، كما يرى بعض آخر أن الأمر قد تستغله إسرائيل لضم كامل فلسطين وإجبار سكانها العرب على مغادرة أرضهم إلى مصر أو الأردن، وقد يكون الحل بين هذين الأمرين، وهنا قد يتدخل أوباما لطرح فكرة ما وتحريك الوضع الملتهب والمنذر بالانفجار. ويليام فاف كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "ميديا تريبيون سيرفيس"