إلى ما قبل 20 سنة خلت، كنت صاحب فكرة أن مجتمع الإمارات لم يتبلور طبقياً بعد، وأنه مجتمع نخبوي يقوم على فكرة وجود نخبة تقود، وعامة تتلقى أفكار النخبة وتقوم بتطبيقها ضمن حراك المجتمع. لكن مع مرور الزمن وما شهدته الإمارات من طفرات اقتصادية متتالية، أصبحت فكرة حتمية ظهور التشكل الطبقي للمجتمع أكثر وضوحاً وتجلياً. وبرغم طرحنا النخبوي الذي قمنا من خلاله بالإثبات العلمي لوجود نخبة سياسية واقتصادية واجتماعية تقود في مجتمع الإمارات، إلا أن المجتمع ذاته لم ينف حقائق التراتب الاجتماعي الذي يشكل الأساس للتشكل الطبقي. وفي وقتنا الحاضر، إحدى صيغ الطبقية التي أصبحنا نلحظها، هي التفريق بين حائزي الثروة القدماء في مرحلة ما قبل الأوضاع التي تسود منذ منتصف ستينات القرن العشرين وبين حائزيها المحدثين. الثروة الجديدة تم جمعها في هذا الجيل، أما الثروة القديمة فقد تم جمعها وتراكمت من قبل الجد أو والد الجد أو حتى جده. لذلك يمكن القول بوجود حقيقي لاختلافات اجتماعية واقتصادية في الإمارات، يمكن للجميع أن يلمسها، ومع ذلك فإن الفارق الإماراتي فيما يتعلق بالتشكل الطبقي يكمن في الاعتقاد بأن أياً من هذه العوائق غير قابل للتجاوز. ولكن كيف لنا أن نحدد الطبقة، أي على أي أساس يمكن لنا أن نقول إن فلاناً أو علاناً ينتمي إلى الطبقة الاجتماعية العليا وليس إلى الطبقة الاجتماعية الوسطى؟ بشكل اجتهادي محض، يمكنني الإشارة إلى أن خصوصية مجتمع الإمارات تفصح عن أن الموقع الطبقي للفرد يمكن أن يتم تحديده من خلال خمسة مؤشرات، هي المنشأ الأسري أو القبلي، وحيازة الثروة، والتعليم، ومستوى الدخل والموقع الوظيفي. والتعليم يمكن فهم تأثيره، فكلما ارتفعت الدرجة العلمية كلما زادت أهمية حاملها. لكن الموقع الوظيفي يفصح عن شيء من الغرابة، فنظرياً يقع الأطباء والمهندسون في دول العالم النامي في رأس القائمة، لكن أساتذة الجامعات المواطنين أياً كان تخصصهم يقبعون في درجة متدنية بعد الأطباء والمهندسين، يتشاركون في ذلك مع رجال الأعمال والمديرين في القطاع الخاص، ويقع صائدو الأسماك والزراع في درجة متدنية هي أعلى قليلاً من القاع الذي يقبع فيه أصحاب المهن الحرفية واليدوية والعاملون في الخدمات المختلفة. وبإلقاء نظرة أولية عليها، تعتبر مؤشرات الطبقة الخمسة هذه خصوصية إماراتية خالصة تقريباً، وباستثناء المنشأ الأسري توضح الدلائل الجديدة أن مواطني الإمارات متفائلون بإمكانية الحراك الاجتماعي إلى أعلى ضمن المؤشرات الأربعة الأخرى. ويبقى أنه مع وجود الفرص الجديدة المتاحة للارتقاء إلى أعلى اجتماعياً، فإن المواطن العادي مقتنع بأن النظام الطبقي الجديد الآخذ في التشكل، يتيح له فرص الارتقاء إلى أعلى اقتصادياً واجتماعياً، بمعنى أن عملية الحراك من طبقة اجتماعية دنيا إلى أخرى أعلى صارت أكثر سهولة، وهذا يعني أن حتمية التشكل الطبقي في الإمارات- خاصة تشكل الطبقة الوسطى التي يعتمد عليها النظام الاقتصادي الحر في اشتغاله- تسير بخطى حثيثة نحو الأمام لكي تصبح أكثر واقعية وتلاؤماً مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الجديدة.