تحت رعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبدعوة كريمة من سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، تلقيت دعوة للمشاركة في فعاليات المؤتمر الدولي مع حلف الناتو "علاقات الناتو والإمارات العربية المتحدة: التنسيق المشترك لمبادرة إسطنبول". وللأسف الشديد بسب عطل في الطائرة التي كانت تقلني للمشاركة في المؤتمر لم أتمكن من المشاركة. وكانت مشاركتي ستكون العاشرة حول مبادرة إسطنبول التي أطلقها حلف الأطلسي مع دول مجلس التعاون كلا على حدة بمعادلة 28+1 وليس 28+6، وبتأكيده على أن جميع مبادرات الحلف، كتلك التي أطلقها في منتصف التسعينيات مع دول المتوسط "تكمل بعضها بعضاً". وبتعريف سريع بفحوى وأهمية هذه المبادرة كما أوضحت في هذه الصفحة العام الماضي أذكر أنها أتت كردة فعل على التطورات التي أعقبت عالم ما بعد 11 سبتمبر، ولحماية أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي من خطر الإرهاب وعدم الاستقرار، وقد أتت من رحم مشروع واشنطن الذي عرف بـ"الشرق الأوسط الكبير"، واعتُمد كمفهوم في صيف عام 2004 في قمة الدول الصناعية الكبرى في الولايات المتحدة وقمة حلف "الناتو" في إسطنبول في يونيو 2004، مبادرة تعرف اختصاراً باسمICI وهي المبادرة التي أتت لمساعدة دول مجلس التعاون الخليجي، كلاً على حدة، على تأهيل وتدريب وتحصين قدراتها وقواتها وإمكانياتها الدفاعية والعسكرية والأمنية والاستخبارية لدرء المخاطر، وللتعامل مع التهديدات والتحديات المرتبطة بالشؤون الأمنية والعسكرية والدفاعية، في توظيف لخبرات ودراية حلف الأطلسي الذي احتفل هذا العام بالذكرى الستين لقيامه. وكل ذلك ساهم في إقناع الدول الفاعلة في النظام العالمي بتبني المبادرة المهمة التي ترتكز على فكرة أساسية تقول: "نساعدكم لتساعدوا أنفسكم" وتكونوا في وضع أفضل. ويأتي المؤتمر المهم الذي استضافته دولة الإمارات العربية المتحدة ليرسخ العلاقة الاستراتيجية كما وصفها سمو الشيخ عبدالله بن زايد في كلمته وفي المؤتمر الصحافي، وكذلك ليؤكد على تمسك دول مجلس التعاون بتنويع وتعدد مصادر العلاقة والتنسيق الأمني والعسكري مع القوى الفاعلة في النظام العالمي سواء كانت دولاً أو منظمات دولية مثل "الناتو" الذي هو أكبر حلف عسكري في العالم. وخاصة أننا نواجه التحديات نفسها كما عبر الأمين العام الجديد لحلف الأطلسي أندرس فوغ راسموسن، رئيس وزراء الدانمرك السابق، الذي أعلن أننا نواجه تحديات "متعلقة بمكافحة المخدرات ومكافحة الإرهاب، أو سلاح الدمار الشامل، ومكافحة كافة التحديات التي تواجه الدول المشاركة في هذا المؤتمر، وليس فقط الدول الأعضاء في الحلف". وقد وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة على "اتفاقية تأمين وحماية المعلومات"، كما فعلت دولة الكويت التي كانت هي أول دولة من دول مجلس التعاون تنضم لمبادرة إسطنبول التي أطلقت عام 2004، وانضمت لها تباعاً الكويت والبحرين وقطر والإمارات ولا تزال المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان خارج المبادرة مع إبدائهما اهتماماً بها. والحال أن "الناتو" الذي احتفل هذا العام بالذكرى الستين لقيامه كأكبر منظومة عسكرية، والذي برز أصلا في حمأة الحرب الباردة، يشكل أكبر وأقوى حلف عسكري في العالم، ويشمل أعضاء من ثلاث قارات ويضم دولا كانت جزءاً من منظومة الخصم "حلف وارسو"، ومنذ سقوط حائط برلين قبل عقدين من الزمن وانهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه وزوال الخطر الحقيقي والرئيسي الذي بسببه تم أصلا إنشاء حلف "الناتو" والحلف يعيد اكتشاف نفسه، ويبحث له عن هوية ودور، بعد أن زاد من تدخله ونطاق نشاطه وسط خلافات وتحديات كبيرة بين الدول الأعضاء وخاصة في عملية "إيساف" في أفغانستان. وقد وسع الحلف من نطاق الشراكة وتوسع شرقاً وقرع أبواب الكرملين وأقام تحالفات وشراكات، وتقدم بمبادرات خارج نطاق علمياته التقليدية في أوروبا. ويلعب الحلف اليوم أدواراً من أفغانستان إلى كوسوفو، ومن المتوسط إلى الخليج. وينظر الحلف في البعد الاستراتيجي باهتمام إلى العلاقة الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة مع تنامي المخاطر العالمية بعد اعتداءات 11 سبتمبر، وتهديد أمن الطاقة، وزيادة خطورة المنظمات التي تهدد الأمن والاستقرار. إن الحلف الذي يفاخر بانتصاره في الحرب الباردة دون إطلاق رصاصة واحدة ضد خصومه، يعاني اليوم باعتراف مسؤوليه من أزمة هوية ويبحث عن مهمة وهدف للبقاء. كما يشهد الحلف سجالا وخلافات والكثير من النقاش عن مهامه ودوره ومستقبله. وخاصة مع استمرار الالتزام في أفغانستان. وهناك نقاش أيضاً يتعين علينا كدول دخلنا في مبادرة إسطنبول وحوار المتوسط أن نثيره مع حلف "الناتو" هو ذلك المتعلق بالقضايا المشتركة التي على الحلف مناقشتها وبحثها معنا، وخاصة أن دولنا ليست أعضاء في الحلف. كما على الحلف أن يوضح الفهم الملتبس حول تكامل المبادرتين "إسطنبول" لدول الخليج و"حوار المتوسط" التي تضم دول شمال أفريقيا من موريتانيا إلى مصر، باستثناء ليبيا. وفي الختام ينبغي أن نوضح أن مبادرة إسطنبول ليست اتفاقية حماية ملزمة. وليست اتفاقية دفاعية أو بديلاً عن الاتفاقيات الموقعة بين دول المنطقة والدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة. ولن تشهد دول الخليج قواعد أو قوات من "الناتو" على أراضينا. وهناك أسئلة عديدة أخرى قد تطرح: لماذا "الناتو" في وسطنا، وهل هي عولمة للأمن الخليجي؟ ما هي مصلحتنا نحن كدول خليجية في الانضمام إلى المبادرة؟ لماذا لم تنضم الدول الأخرى؟ وما هي مصلحة "الناتو" في ذلك؟ خاصة أن من أبجديات العلاقات الدولية أنه لا توجد علاقة بين الدول دون المصالح المتبادلة؟ وكيف تنظر إيران والعراق إلى المبادرة، ولمن دخل ولمن لم يدخل؟ وكيف ينظر "الناتو" إلى العراق وإيران؟ ولنا عودة.