أكثر ما يميز المرحلة الحالية من حكم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله أنها مرتبطة بشكل كبير بمرحلة المغفور له الشيخ زايد رحمه الله، ويظهر ذلك جلياً في ذلك التناغم وتلك المحاكاة في مواصلة الإنجازات وخدمة المواطنين، وتوفير سبل الرفاهية والعيش الكريم لهم جميعاً. في عصر الشيخ زايد رحمه الله، عرف العالم العربي الإمارات جيداً وأحبوها وحتى إن لم يزوروها، فحبهم لزايد رحمه الله جعلهم يحبون أرضه ووطنه وشعبه، واليوم في زمن الشيخ خليفة حفظه الله، صار العالم يعرف الإمارات ويتحدث عنها بحب أيضاً، وباعتزاز لأنهم يرون دولة تشق طريقها بين كبريات دول العالم تاريخاً وإنجازاً وحضارة، وتنجح في أن تحتل مكانتها بين تلك الدول وكل مؤسسات الدولة تعمل من أجل هذا الهدف، وقامت بأدوار مهمة، وبعد جهد سنوات مضت، يظهر اليوم جلياً أن العمل الذي قاموا به بدأ يؤتي ثماره. اليوم نتذكر يوم رحيل الشيخ زايد، ففي مثل هذا اليوم الثاني من نوفمبر من العام 2004 كان رحيل الشيخ زايد رحمه الله عن هذا الوطن، ورحيله إلى عالم آخر ليس ببعيد عنا بل هو قريب، وهذا ما لم يجعله يغيب يوماً عن عقولنا وقلوبنا، فالشيخ زايد رحمه الله معنا في كل يوم، وكل لحظة بإنجازاته التي على أرض الواقع وبكلماته وحكمته التي كان يستفيد منها كل مواطن ومسؤول. وما يجعل الشيخ زايد رحمه الله مطمئناً في قبره، هو أن يستمر العمل الذي بدأه في هذا الوطن، وأن يستمر الاتحاد الإماراتي هذا الحلم الكبير، الذي أنجزه بجهد عظيم وما يحدث هذه الأيام في أبوظبي أمر يدعو إلى الغبطة، فاليوم صارت للإمارة خطة استراتيجية واضحة ليست خمسية أو عشرية، بل هي أكثر، فخطة أبوظبي حتى عام 2030 ميلادية معلنة واضحة للجميع، ويمكن أن يطلع عليها أي إنسان ليعرف إلى أين تتجه هذه الإمارة الرائدة. لقد أصبح العمل ممنهجاً بشكل لا يختلف كثيراً عما يحدث في الدول المتقدمة، وهذا ما أصبح يجذب العالم إلى أبوظبي، ويزيد ثقتهم فيها. النجاح الذي يحققه العظماء يرتبط بالإنجاز الذي يحققونه في حياتهم وببقاء تلك الإنجازات، واستثمار هذا النجاح، يكمن في استمرار تلك الإنجازات وبناء إنجازات جديدة عليها، وهذا ما يحصل في الإمارات اليوم، فالإنجازات التي حققها الشيخ زايد رحمه الله باقية، وإنجازات الشيخ خليفة تواصل إنجازات الماضي وتضع مستقبل الإمارات في المواقع التي طالما حلم بها الشيخ زايد رحمه الله. ليس من قبيل المصادفة، وليس بالأمر الغريب أن يكون يوم أمس أحد أهم أيام أبوظبي فقد شهدت عاصمة الإمارات حدثاً مهماً، وهو أول سباق ختامي لـ(الفورمولا 1) ونجحت في تنظيمه نجاحاً باهراً... ولا تكمن الأهمية في الحدث وإنما في الإنجاز الذي تم، فجزيرة ياس، التي كانت قبل أقل من عامين مجرد أرض خالية ليس بها شيء، ولا يلتفت إليها أحد، ولا يعرف عنها أحد أي شيء، هي اليوم وبجهود أبناء زايد من أهم الجزر في الإمارات، بل ونقلت أبوظبي بكل جمالها وروعتها وأناقتها إلى العالم، فقد نجحت أبوظبي في أن تكون حديث العالم خلال الأيام الماضية بسبب هذا الحدث العالمي، وربما بعد اليوم لن نضطر أن نشرح للعالم عندما نسافر ونفسر لمن يسألنا من أين أنتم قادمون؟ فعندما نقول من الإمارات يكون ذلك كافياً لأنهم سيعرفون مباشرة أين هي، فالعالم بإنجازات أبوظبي ودبي وغيرهما من مدن الدولة، أصبح يعرف أين تقع الإمارات العربية المتحدة، التي قدمت للعالم أجمل حلبة لسباقات (الفورمولا 1) على الإطلاق، بل الأمر الذي أدى بأحد المشاركين في هذا الحدث أن يؤكد:(إن أي بلد يريد أن ينشئ حلبة للفورمولا واحد بعد اليوم لا يمكنه إلا أن ينظر إلى حلبة مرسى ياس، فهي مكتملة المواصفات ورائعة). إن جزيرة ياس وطريق وجسر السعديات اللذين دشنهما الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة حفظه الله منذ أسبوعين تقريباً يعتبران إنجازين كبيرين لأبوظبي، وبداية دخول مرحلة جديدة من التنمية والبناء في هذه الإمارة الرائعة، خصوصاً إذا ما علمنا أنها ما زالت تحمل في جعبتها الكثير من الإنجازات التي ستبهر العالم، فخلال الأعوام الخمسة المقبلة، سيكون العالم في انتظار إنجازات جديدة منها متحفا اللوفر وجوجنهام في جزيرة السعديات، وكذلك مدينة "مصدر"، التي تقوم أساساً على فكر الشيخ زايد رحمه الله في حماية البيئة والحفاظ على مواردها. الكثيرون حلموا ببناء دولهم وأوطانهم، لكن قليلين نجحوا في ذلك، فدول العالم من حولنا منها الغنية ومنها الفقيرة، ومنها ما هي ضاربة في عمق التاريخ ومنها دول حديثة، ومنها دول ديمقراطية وأخرى ديكتاتورية... كل أصناف الدول نراها من حولنا، ولكن قليلة تلك الدول التي حالفها النجاح وصارت متميزة في وقت قصير ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كانت في الستينيات من القرن الماضي حلماً جميلا في عقل وقلب الشيخ زايد رحمه الله، وصارت اليوم واقعاً أجمل أمام أبنائه وأمام العالم... ما يزال الباب مفتوحاً للتفكير في تقديم شيء مميز للشيخ زايد رحمه الله فنحن بحاجة لأن نقدم الكثير له رحمه الله فما قدمه للإمارات، ولكل مواطن على هذه الأرض كثير جداً، ونحن ما زلنا نحاول أن نرد له الجميل لكن ما نزال نشعر بأننا مقصرون في حقه رحمه الله... لذا يجب أن يبقى الباب مفتوحاً لتقديم ما يليق بمكانة الشيخ زايد رحمه الله، وما يليق بما قدمه لكل مواطن على هذه الأرض، فلا يكفي أن نحيي ذكرى رحيله كل عام، ولا يكفي أن نعلق صوره في بيوتنا ومكاتبنا، ولا يكفي أن نقيم له متحفاً، ولا أن نصنع له فيلما سينمائياً. فصحيح أن كل ذلك رائع ولكنه بصدق غير كاف للشيخ زايد.