تمر هذه الأيام الذكرى الأربعون على حريق الأقصى الذي روع العالم في حينه، وما زالت الجريمة مستمرة. فعمليات \"التنقيب\" المزعومة، والتي تهدد أساسات المسجد الأقصى وتنذر بخطورة ما يقوم به الصهاينة هناك على أساس ادعاءات كاذبة لا حدود لها... ما تزال متواصلة وبلا توقف، هذا فضلا عن عمليات الاستيطان الجارية على قدم وساق، وبناء المستوطنات حول الأقصى والبالغ عددها 450 وحدة سكنية، وقد تم الشروع في توسيعها رغم كل ادعاءات إسرائيل حول السلام وإمكانية استئناف التفاوض. وإذا كان الجميع في العالم العربي يعيبون على القوى الفلسطينية صراعها الداخلي وانشغالها عن القضية الأصلية بخلافات حزبية ساهمت في زيادة وتعميق تردي الأوضاع في الأراضي المحتلة، فإن هذه الأزمة الداخلية لا يمكن أن تشكل مبرراً للانشغال عن موضوع المسجد الأقصى، أو للزعم بأن المشكلة تكمن لدى الشعب الفلسطيني نفسه. إن فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل إن المسجد الأقصى هو قضية تخص كل فرد بذاته ضمن المليار مسلم في كافة أرجاء المعمورة. لماذا إذن نقف على استحياء أمام جرائم ترتكب ضد مَعلم تاريخي مهم، أي المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وهو رمز من رموز الإسلام التي تشكل برهاناً قاطعاً على الحقيقة الثابتة، وهي أن فلسطين أرض عربية من النهر إلى البحر؟ لماذا يذهب كل صاحب معتقد إلى الدفاع عن معتقده ورموز هذا المعتقد، ونقف نحن دون صوت أمام الجريمة البربرية التي تستهدف تهويد القدس وإلغاء كل ما يمت فيها إلى العروبة والإسلام بصلة؟ ولأن رمضان يحل بنوره وحمولته الربانية، فإن مثل هذه التساؤلات لابد أن تثار، وفي وقت نبحث فيه عن فقير لنمنحه زكوات أموالنا. لكن فلسطين تستحق من جميع المسلمين، ليس زكاة أموالهم فقط، بل أيضاً أن يكون هناك صندوق مال لحماية المسجد الأقصى يشارك فيه الصغير والكبير، من المحيط إلى الخليج، ليكون همُّ الأقصى هماً جماعياً غير قابل للنسيان أو السهو تحت أي مبرر أو انشغال. فأموال اليهود موظفة لخدمة مقاصدهم الدينية والسياسية، وهذا هو المليونير الأميركي، اليهودي \"مسكوفيتش\"، يتصدر الكونجرس الأميركي مطالباً باستكمال تهويد القدس والمسارعة بتطبيق التشريع الأميركي الذي يعتبرها عاصمة أبدية للدولة العبرية. فالأموال والطاقات، وحتى تفاصيل الحياة اليومية... كل ذلك مكرس لإنهاء وجود القدس وإحلال \"أورشليم\" محلها، لأن سقوط بيت المقدس يعني بدء نجاح مخطط الجريمة بتهويد فلسطين عامة وقلبها المقدس خاصة. فإذا كان بعض العالم يتواطأ مع المؤامرة الصهيونية، فإنه لابد من صحوة جادة تنحى نحو التوقف عن انتظار تصريحات الساسة الإسرائيليين، فشيمون بيريز مثلا، هو أحد كبار صانعي سياسات إسرائيل، أعلن مؤخراً أن وطنه إسرائيل \"شرعي\"، وأن فلسطين هي أرض أجداده... لذلك كان من المهم أن لا يتم التغاضي عن بناء أكثر من 43 مستعمرة خلال سنوات قليلة، وكأن فلسطين هي حق ليهود أوروبا وآسيا والاتحاد السوفييتي السابق... يفعلون بها ما يشاؤون! ومن الواضح أن العراقيل في وجه الحل تزداد يوماً بعد يوم وتجعل تسوية الصراع العربي الإسرائيلي أكثر صعوبة. وجدار الفصل العنصري الذي يطلق عليه اليهود مسمى \"السياج\"، تجميلا لقبحه وستراً للاإنسانيته، يؤكد مرة أخرى حقيقة أساسية وجلية، وهي أن ثمة الآن حاجة ماسة إلى شجاعة الاعتراف وجرأة الموقف، وإلى صوت يقول للعالم: القدس مسلمة وفلسطين عربية... حتى وإن كان السحر يعمي عقول العالم ليقلب الحقيقة ويظلل سطوع الشمس!