اعتماد أبوظبي مركزاً إقليمياً للتدريب على مواجهة الطوارئ من قبل "الهيئة الأميركيّة للطوارئ" و"المؤسسة البريطانيّة للإنقاذ"، مؤخراً، يعكس بوضوح المستوى المتقدّم الذي وصلت إليه جهود الدولة في مجال مواجهة الطوارئ والكوارث والأزمات. لقد أصبح الاهتمام بإدارة الكوارث والمخاطر يشكل أولوية متقدّمة لدى الدولة وقيادتها الرشيدة، والتي تحرص على إيجاد كوادر مواطنة في مختلف المجالات تكون قادرة على التعامل مع أيّ كوارث ومخاطر محتملة. من هذا المنطلق جاء تأسيس "البرنامج الوطني للاستجابة للطوارئ" الذي يركّز على تدريب كوادر في مختلف القطاعات على التعامل مع الكوارث والأزمات للحدّ من مخاطرها قدر المستطاع. هذا البرنامج يعدّ الأول من نوعه على مستوى الإمارات، وعلى مستوى دول المنطقة، ويتوقع له أن يضاهي البرامج المماثلة على مستوى العالم في مجال التعامل مع الحوادث الكبرى وحالات الطوارئ. وقد أتم البرنامج مؤخراً تدريب 1000 متطوع من مختلف فئات المجتمع في إطار الجهود التي يبذلها لزيادة جاهزيّة هذه الفئات في مجال الاستجابة للطوارئ والأزمات. ولا شكّ أن وجود كوادر بشرية قادرة على مواجهة المخاطر والأزمات التي قد تواجه الدولة أصبح هدفاً استراتيجياً، فالتجربة أثبتت أن التدخل السليم والمناسب والسريع في التعامل مع الأزمات يساعد كثيراً على الحدّ من المضاعفات والآثار المحتملة لها. وقد أثبت هذا المنهج جدواه مؤخراً في أكثر من أزمة، كما في تعامل الجهات المتخصّصة مع أزمة "إنفلونزا الخنازير"، فالخطط التي تم إعلانها لمواجهة انتشار هذا المرض، مهيأة لأيّ احتمالات، وقادرة على الاستجابة الفورية لأيّ طارئ أو تطورات بشأن المرض، حيث تتابع هذه الجهات عن قرب تطورات الأزمة، وتقوم بتحديث آليّات العمل، وإعداد الخطط البديلة وفقاً لما تنتجه تجارب الدول وتعليمات الهيئات الصحية المتخصّصة في هذا الإطار. واتضحت جدوى هذا المنهج أيضاً في تعامل وزارة الاقتصاد مع "أزمة الغذاء العالمية" العام الماضي، حينما وافقت "لجنة حماية المستهلك" في الوزارة على تطبيق نظام للإنذار المبكّر في مجال السلع الغذائيّة الاستراتيجية خلال ستة أشهر على الأكثر، وذلك بهدف التعرّف على أيّ تغيرات يمكن أن تطرأ على وضع هذه السلع من حيث كمياتها وأسعارها في العالم، والاستعداد المبكّر لذلك لتفادي أيّ نقص فيها، أو زيادة في أسعارها. الاهتمام بإدارة الكوارث والمخاطر أصبح ضرورة تنمويّة، وهناك توجّه دولي متنامٍ لإدخال هذا الموضوع ضمن مشروعات التنمية المستدامة، وهو موضوع بدأ يتبلور مؤخراً لدى المنظمات المهتمّة بقضايا التنمية على مستوى العالم. وإذا كانت دولة الإمارات تمر بفترة ازدهار اقتصادي وتنموي جعلها موضع إعجاب دولي وإقليمي، فإن أهداف التنمية بعيدة المدى يجب ألا تغفل الاهتمام بهذا الجانب؛ لأن تنامي الطموحات التنمويّة يفرز تلقائياً تحدّيات بعضها يتعلق بإدارة الموارد الاقتصادية وحسن توظيفها، في حين يتعلق بعضها الآخر بتحديات موازية لحماية هذه المنجزات في مواجهة أيّ مصادر تهديد محتملة، بما فيها الكوارث والأزمات. وهذا بدوره يتطلب تضمين خطط التنمية المستدامة وبرامجها استراتيجيّات لاتقاء أضرار الكوارث والتخفيف من آثارها، والاستعداد لها، من خلال استثمارات استباقيّة تعمل على تأهيل الكوادر البشرية اللازمة وتدريبها، وتأسيس بنية تحتية قوية لإدارة الكوارث والأزمات. ما يعظّم الأخذ بهذا الاتجاه هو أن العالم أصبح يعاني الآن العديد من التحديات والمخاطر، فحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن الكوارث الطبيعية في العقد الأخير وقعت بشكل أكثر تكراراً من الماضي، وكانت أكثر دماراً أيضاً، سواء كانت كوارث طبيعة من زلازل وفيضانات وأعاصير، أو أوبئة جديدة ("إنفلونزا الطيور" و"إنفلونزا الخنازير"... إلخ)، أو أزمات اقتصادية كـ "أزمة الغذاء العالمية"، و"الأزمة المالية العالمية" التي ما زالت آثارها تتفاعل حتى الآن. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية