استمرت لسنين طويلة حملات متتالية تنطلق من الغرب، وبشكل منظم، تستهدف دولنا الخليجية من قبل الإدارة الأميركية والكونجرس يساندهما الإعلامان الأميركي والأوروبي اللذان ما فتئا يلعبان دور المساند، في كل ذلك، بتقديمهما لنماذج سلبية وصور نمطية مقولبة عنا حتى لو كان ذلك بأشكال وصيغ مختلفة من مقالات و\"دراسات\"، مع مساندة ملموسة من قبل هوليوود وأفلامها ومسلسلاتها، لا هدف لها سوى طبع صورة عنا على أن تكون نمطية وغارقة في السلبية، لدى المتلقي الغربي في أميركا الشمالية وأوروبا، بل وفي أركان العالم الأخرى كلها. إنها صورة \"العربي القبيح\"، والجشع، الذي يسعى خلف النساء، ويفتقد الذكاء والفطنة. وزادت صورة العربي والمسلم بؤساً وتردياً أكثر في العقلية الغربية طبعاً بعد العمليات الإرهابية التي دبرتها \"القاعدة\". حيث بات كل عربي أو مسلم \"إرهابياً\" يهدد أمن وسلامة أميركا وأوروبا، والحضارة الغربية كلها! وكانت التهمة الجاهزة التي ما فتئ يرددها بوش وبلير هي أنهم \"يرفضون ثقافتنا وحضارتنا\"! وقبل ذلك كانت الحملة المعادية للعرب والمسلمين قد تكثفت مع المقاطعة النفطية الخليجية للغرب. يومها هدد وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، مدفوعاً بحمأة حرب فيتنام، بالويل والثبور وعظائم الأمور، كما يقال. وزادت الحملة ضد دولنا في فترة لاحقة لذلك بسبب ما سمي حينها البترودولار. واشتدت تالياً وتصاعدت، في صفوف بعض مراكز الدراسات المتخصصة الممولة من جهات لها أهداف وأجندات موجهة، ذات ميول صهيونية خاصة، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي السابق. إذ سرعان ما تلاشى الخطر الأحمر وتم استبداله بما سماه بعض غلاة المتطرفين في الغرب بـ\"الخطر الأخضر\"، أو الخطر الإسلامي، بدءاً بالثورة الإيرانية، ووصولا إلى الإسلام السني المتطرف المعادي للغرب الذي بلغ ذروته بعد هجمات \"القاعدة\" في 11 سبتمبر 2001. وفي هذا الخضم ظهر فجأة على السطح المفكر الأميركي الراحل هنتنغتون، فقدم السلاح الضارب في هذه الحملة المحمومة بتبنيه لنظرية \"صراع الحضارات\". وقد منح ذلك كله إدارة بوش، ومواقع صنع القرار من مراكز دراسات وإعلام وجماعات ضغط، الغطاء والوقود والحوافز اللازمة لتسعير الحملة الموجهة ضد دولنا الخليجية، وصولا للدفع بمقولة تغيير المناهج، وحتى الحديث عن فرض الديمقراطية بالقوة انطلاقاً من العراق المحتل، ليكون درساً ونموذجاً للجميع، حلفاء وخصوماً. وينبغي ألا ننسى أيضاً حملة الكونجرس الأميركي في حمائيته الخفية وعولمته الانتقائية حين يعارض السماح لشركات خليجية بالاستثمار دون منغصات ومضايقات مفتعلة. وعلى رغم استثمارات صناديق السيادة الخليجية في الأسواق الغربية والأميركية بالتحديد، يزورنا وزير الخزانة الأميركي لإقناعنا بقوة الدولار، داعياً للاستثمار في السوق الأميركية. ومن حين لآخر يأتي ضيوف رسميون كبار آخرون من بلاد \"العم سام\" محملين بعروض لصفقات أسلحة بمليارات الدولارات، لحماية أمننا، الذي لا زلنا نبحث عنه بعد مرور عقدين على حرب الكويت. وقبل هذا وذاك تقترح وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مظلة أمنية مبهمة في مواجهة واصطفاف محرج لنا ضد إيران، إذا ما أصبحت نووية. ومؤخراً برزت حملة غربية موجهة ضد دول بحد ذاتها مثل ما يتم شنه من تهجم على السعودية وعلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصة إمارة دبي، والتشكيك في التعافي الاقتصادي والملاءة المالية لدولنا الخليجية. لقد كان لافتاً تصدي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد الصباح -وهو خريج جامعة هارفارد العريقة- مؤخراً لمقالة الكاتب في صحيفة \"الإندبندنت\" البريطانية \"روبرت فيسك\"، الذي يعد أهم المراسلين الغربيين في الشرق الأوسط، والفائز بسبع جوائز عالمية لتغطيته للكثير من الحروب والأزمات في المنطقة من الثورة الإيرانية إلى مقابلة ابن لادن عدة مرات، ومن تغطيته لحروب الخليج وحرب العراق وحرب إسرائيل على لبنان الذي يقيم فيه منذ ثلاثين عاماً. وكان غريباً ولافتاً من \"روبرت فيسك\"، المعروف بموضوعيته وتقاريره وكتاباته المنتقدة للسياسات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، تهجمه وتطاوله بأوصاف منحازة ضد الكويت في مقالته: \"تركة حرب الخليج تلتهب مع ضغوط الكويت البخيلة على العراق\"! التي تهجم فيها على الكويت بسبب مطالبتها بحقوقها القانونية التي منحها إياها مجلس الأمن، بما فيها من تعويضات وحقوق. فنعت \"فيسك\" الكويت بـ \"الجشعة\" و\"البخيلة\" و\"القاسية\" و\"الدولة التي تقطر نفطاًً\"، لمجرد تمسكها بمطالبات محقة حسب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وهذا ما دفع بوزير الخارجية الكويتي للرد بغية تفنيد اتهامات \"فيسك\" غير الصحيحة ضد الكويت، التي قدمت منذ الأشهر الأولى لاستقلالها مساعدات سخية وقروضاً ميسرة ومنحاً مالية وهبات للدول العربية أولا بما فيها العراق من خلال صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية العربية، الذي ارتفعت الدول المستفيدة من قروضه ومساعداته بعد أربعة عقود لتتجاوز 100 دولة وبمجمل قروض ومساعدات تجاوزت 700 قرض بقيمة 14.5 مليار دولار. ناهيك عن المساعدات والهبات التي قدمتها الكويت للقضية الفلسطينية وللبنان، وخاصة لإعادة إعمار ما دمرته إسرائيل في عدوانها على لبنان وغزة. أما وصف \"فيسك\" للكويت بـ \"البخل\" فيدحضه السخاء الكويتي، وهذا ليس منة بل هي حقيقة يجب أن تُعلن، حيث إن متوسط ما تخصصه الكويت من مساعدات خارجية يبلغ 1.3 في المئة من دخلها الوطني، وهو ضِعف ما تطلبه الأمم المتحدة من الدول، وثلاثة أضعاف ما تقدمه دول منظمة التعاون والتنمية الأوروبية الغنية البالغ 0.46 في المئة من ناتجها القومي. ولا ننسى ما قدمته الكويت من دعم وإسناد وإعادة العلاقات مع العراق، دون أن تتدخل في الشأن العراقي الداخلي، أو تدعم فئة ضد الأخرى، أو تسعى لزعزعة أمن واستقرار العراق كما يفعل بعض جيرانه. وآخر مبادرات الكويت الإنسانية كانت مبادرة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح بمعالجة جرحى تفجيرات الأربعاء الأسود الدامي في بغداد في المستشفيات الكويتية. ومن الواضح أن الحملات الغربية المنظمة ضد دولنا ستستمر وتتصاعد بمختلف أبعادها وأحجامها خاصة مع نمو الدور والتأثير الكبير لدول مجلس التعاون على الساحة الدولية بسبب أمن الطاقة والاستثمارات وصناديق السيادة والتباين حول الكثير من القضايا الإقليمية وأبرزها عملية السلام والتصدي لمخططات وأطماع إسرائيل، والحالة في العراق، والمواجهة بين إيران والمجتمع الدولي. ولكن يبقى السؤال المهم: ما هي الاستراتيجية التي علينا نحن في دول مجلس التعاون الخليجي أن ننتهجها في عصر العولمة والفضائيات والإنترنت وتفرعاتها، والسموات المفتوحة، لتشكيل خط دفاع إعلامي ودبلوماسي فعال يتصدى لما قد يصدر من مواقف رسمية أو تصريحات ومقالات لباحثين وكتاب غربيين، مما من شأنه إلحاق الضرر بمصالحنا؟ لاشك أن علينا أن نبادر بمخاطبة الغرب بلغته وثقافته ولسانه. وثمة سؤال: لماذا لا تُفتح مكاتب إعلامية خليجية متخصصة في عواصم صنع القرار في الغرب والشرق للتعامل مع التطورات والأحداث والحملات المضادة؟ وبالتالي لا تقتصر الجهود في التصدي للحملات الغربية التي تبدو كالموجات، على اجتهادات فردية، وبحيث لا تأخذ من وقت ونشاط وزراء الخارجية والإعلام والمسؤولين الكبار مهمة التصدي لتلك الحملات -على رغم تميزها وتأثيرها- لأن مثل هذه الاستهدافات ستستمر وتتنوع وتتصاعد في المستقبل. ولكن قبل ذلك علينا نحن حل خلافتنا، أما الاتفاق على الخطط والاستراتيجية فيأتي لاحقاً.