لعل من المفارقة الساخرة أنه في ذات اللحظة التي تضغط فيها الولايات المتحدة على الدول العربية لاتخاذ خطوات تجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل، تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات جديدة لفرض المزيد من القيود على المواطنين الأميركيين الراغبين في زيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. فقد جاء في البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية في 4 أغسطس الجاري تحت عنوان "تحذير بخصوص السفر" ما يلي: "إن الحكومة الإسرائيلية قد بدأت في القيام، بشكل انتقائي، بفرض قيود على مسافرين معينين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك إلى إسرائيل والقدس". وقد وصفت مجموعة حقوقية تهتم بهذه القضايا الطريقة التي تعمل بها السياسات الإسرائيلية الجديدة بقولها: لقد بدأ ضباط الحدود الإسرائيليون في استخدام نموذج إذن دخول جديد مطبوع عليه كلمات "السلطة الفلسطينية فقط"، كما تم إصدار نموذج آخر لبعض المواطنين الأجانب مطبوع عليه "إسرائيل فقط" يطلب ممن يحصل عليه التوقيع على تعهد يلتزم فيه بعدم الدخول إلى الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تحت طائلة المساءلة القانونية. ورداً على الأسئلة التي يتم توجيهها للمسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية أثناء الإيجازات الصحفية قال أحد هؤلاء المسؤولين "لقد أحطنا السلطات الإسرائيلية علماً بأن هذه الإجراءات غير عادلة، وتؤثر على الفلسطينيين والأميركيين من أصول عربية الذين يسافرون إلى إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية، وبالتالي فإنها تعتبر غير مقبولة"، كما أوضحنا لتلك السلطات أن هذه الإجراءات "تدعو للأسف" وأننا "نختلف معهم بشأنها". وباعتباري شخصاً ظل مهتماً بالقضايا المتعلقة بمعاملة إسرائيل للأميركيين من أصل عربي لمدة ثلاثة عقود أقول تعقيباً على ذلك إن رد الفعل الأميركي "ليس جيداً بالدرجة الكافية". لقد استمعت إلى قصص تدمي القلوب عن تأثير هذه السياسات الإسرائيلية، ومنها: -أسرة أميركية مكونة من أربعة أفراد عَلِقَتْ في قطاع غزة ولا تستطيع مغادرته. -أميركيون آخرون دخلوا الضفة الغربية عن طريق جسر "اللنبي" وعلى رغم امتلاكم لتذاكر سفر تسمح لهم بالسفر من إسرائيل كانوا قد اشتروها قبل تطبيق الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة، فإنهم غير قادرين على المغادرة الآن. -مجموعة من الفلسطينيين المولودين في أميركا أُجبروا على تسليم جوازاتهم الأميركية عند الدخول وسُلمت لهم، رغماً عن إرادتهم، بطاقات هوية فلسطينية -بلاغات عديدة من أميركيين ينحدرون من أصول فلسطينية وعربية تفيد بأنه يتم تقصدهم عمداً، دون بقية المسافرين، وإخضاعهم لاستجوابات مطولة عند الدخول والخروج. -شروط متعسفة يتم فرضها على الأميركيين من أصل فلسطيني ممن يريدون الحصول على تأشيرة الأمر الذي يؤثر تأثيراً غاية في السوء على عائلاتهم وأعمالهم. وبالتصرف على هذا النحو -إذا ما أخذنا في اعتبارنا إخفاق الولايات المتحدة في العمل بشكل حاسم من أجل إنهاء هذا التصرف- فإن كلا من أميركا وإسرائيل تعتبران مخالفتين لالتزاماتهما. فأميركا تخالف التزامها الذي يمثله نص الطلب الموجود على الغلاف الداخلي للجواز الأميركي بتقديم المساعدة لكل من يحمله، والمساعدة على تسهيل مروره بدون تأخير، ومنحه المساعدة والحماية عند اللزوم. وإسرائيل تخالف تعهداتها المتضمنة في بنود اتفاقية الصداقة والتجارة والملاحة الموقعة بينها وبين الولايات المتحدة في عام 1951 التي توافق بموجبها على السماح بمرور المواطنين الأميركيين في أراضيها بحرية، والإقامة في الأماكن التي يختارونها. إنني أطلب من حكومة الولايات المتحدة اتخاذ ما يلزم لوقف تلك الإجراءات ليقيني بأن المهمة الأولى لأي حكومة -ناهيك عن حكومة الولايات المتحدة- هي الدفاع عن حقوق مواطنيها. وهنا فإن إبداء الأسف وحده لا يكفي. فقد حان الوقت كي تعمل الولايات المتحدة بحماس من أجل ذلك، وأن توضح لإسرائيل أن حقوق مواطنيها تأتي في المقام الأول ويجب ضمانها، وأن الكيل قد فاض بها ولن تطيق صبراً بعد ذلك على أي انتهاكات لتلك الحقوق.