سيذكر الفليبينيون عهد الرئيسة "غلوريا أرويو" على أنه العهد الرئاسي الأطول في تاريخ الفليبين الحديث من بعد عهد الديكتاتور فرديناند ماركوس. ذلك أن عهدها استمر لنحو تسع سنوات (ثلاث منها أخذتها من فترة سلفها الذي طرد من الحكم بسبب ما قيل عن فساده، وست منها فازت بها في انتخابات 2004). وسيتذكر الفليبينيون أيضاً أن هذا العهد الطويل تميز بعدم حدوث ما وعدت به الرئيسة من رخاء اقتصادي وضرب لمواقع الفساد والإفساد في الأجهزة العامة والخاصة. بل الحقيقة أن في عهدها زاد الفليبينيون فقراً فوق فقر، وشهدت البلاد صوراً جديدة من الفساد طالت رموزاً، عامة بمن فيهم قرين رئيسة الجمهورية "مارك أرويو"، الأمر الذي تسبب في انخفاض شعبية الرئيسة بصورة لم تعرف منذ أيام ماركوس السوداء. لكن مقابل هذا سيتذكر الفليبينيون أيضاً أن رئيستهم -على العكس من ماركوس -لم تستخدم سلطاتها في تجميد مواد الدستور وإعلان الأحكام العرفية، عدا مرة واحدة في عام 2007 حينما فرضت شبه حالة الطوارئ لمدة أسبوع للتعامل مع متمردين من صغار ضباط الجيش ممن اقتحموا بدباباتهم حي المال والأعمال في منطقة "ماكاتي" وتحصنوا في فندق من فنادقها الراقية. ومناسبة حديثنا اليوم عن حقبة "أرويو" هي أنه لم يبق لها في السلطة سوى عام واحد، بمعنى أنها ستغادر قصرها الرئاسي في يناير 2010 دون أن تتمكن من إعادة ترشيح نفسها مجدداً طبقاً لمواد الدستور التي تحصر مدة الرئاسة بفترة واحدة مدتها ست سنوات فقط. هذا إذا لم يحدث ما يغير الأمر! نقول ذلك في ضوء ما تردد مؤخراً من أن أنصار "أرويو" في مجلسي البرلمان عازمون على تغيير النظام في الفليبين من شكله الرئاسي الحالي إلى الشكل البرلماني. فإذا ما حدث ذلك، فإن بإمكان "أرويو" أن تترشح كرئيسة مع ذهاب كل أو بعض صلاحياتها التنفيذية إلى رئيس للحكومة مساءل أمام البرلمان المنتخب. وعلى رغم أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الفليبين لن تجرى قبل أكثر من عام من الآن، فإن التحضيرات بشأنها تجري على قدم وساق. وفي هذا السياق، يتردد بقوة اسم السيناتور "نوي نوي أكينو" الابن الوحيد للرئيسة الراحلة "كورازون أكينو" وزوجها "شهيد" الديمقراطية "بينينو أكينو" كمرشح محتمل لخوض السباق الرئاسي، إما كمرشح للرئاسة أو كمرشح لنيابة الرئاسة على تذكرة "مار روكاس" رئيس الحزب الليبرالي الذي قال عن الرجل إنه يملك كل المؤهلات لخوض السباق. فعلاوة على شبابه (من مواليد عام 1960) وإرثه السياسي وفوزه لثلاث دورات متتالية في انتخابات مجلس الشيوخ، وترؤسه للعديد من اللجان التشريعية وتقلبه في مناصب حزبية رفيعة داخل الحزب الليبرالي -أحد حزبين تقليديين هيمنا على الحياة السياسية قبل أن يفرض ماركوس في عام 1972 الأحكام العرفية- فإنه خريج كلية الاقتصاد في جامعة "أتينيو" في مانيلا. وقد أثبت إلى ذلك قدرة عجيبة على الصفح وذلك حينما عفا عن الجنرال السابق "جورجيو غرينغو هوناسان" الذي قام بأكثر من انقلاب ضد والدته، بل الذي أطلق الموالون له رصاصاتهم نحوه فأصابوه في عنقه وعجزه بست رصاصات، لا تزال إحداها مستقرة في جسده. حيث يروى أن "نوي نوي" هو الذي كفل "هوناسان" حينما أراد الأخير الترشح للانتخابات التشريعية. هذا كله، على رغم أن "نوي نوي" أو "بنينو أكينو الثالث" نفى عزمه على خوض تلك الانتخابات، لكن دون أن يغلق الباب أمام تغيير رأيه. وفي معرض إجابته على سؤال حول تردده في خوض الانتخابات الرئاسية القادمة، واعتراضه أيضاً على فكرة أن تخوضها شقيقته الممثلة والمذيعة التلفزيونية "كريس أكينو"، قال نوي نوي: أنا لا أنفي أن شقيقتي لديها من المؤهلات والقدرات التي تمكنها من الاضطلاع بمسؤوليات الحكم، "لكننا لا نريد أن نظهر أمام الشعب بأننا متعطشون للسلطة في حين لم يمر سوى أقل من شهر على وفاة والدتنا". لكنه في الوقت نفسه أضاف أنه مستعد لتحمل أية مسؤوليات إذا اضطر إلى ذلك، معللا السبب بما زرعه والداه فيه من قيم وطنية. أما الحزب الحاكم (حزب لاكاس كامبي) فقد قلل من احتمالات فوز "نوي نوي" إذا ما قرر الترشح للرئاسة. إذ قال أحد كبار رموزه إن قيام الملايين بتشييع كورازون أكينو إلى مثواها الأخير يجب ألا يتخذ كدليل على أن كل المشاركين سيصوتون لابنها الوحيد، مضيفاً أن الأخير لا يمكنه أن يرث العواطف الشعبية الجياشة التي ظهرت أثناء جنازة والدته. ونظر الكثيرون إلى الكلام السابق على أنه رد غير مباشر على كل من ادعى أن المسرح السياسي في الفليبين قد تغير عشية وفاة كورازون أكينو، وأن الحدث الأخير قد أعطى دفعة قوية للحزب الليبرالي الذي يحتل فيه أكينو الابن منصب نائب الرئيس منذ عام 2006. وكانت السيناتورة "مريم ديفينسو سانتياغو" حليفة زعيم المعارضة الرئيس السابق "جوزيف ايسترادا"، قد قالت إن لكورازون أكينو سحراً خاصاً وأن هذا السحر قد انتقل بعد وفاتها إلى ولدها الوحيد. وحينما سألت مريم عما إذا كان انتخاب نوي نوي خلفاً لأرويو قد بات مضموناً، وخصوصاً أن نائب الرئيس الحالي "نولي دو كاسترو" لا يعتزم دخول السباق، ردت بالقول إنه من السابق لأوانه الإجابة على ذلك السؤال. ومن جهة أخرى ظهرت في الفلبين دعوات قادها زعيم المعارضة الموحدة، عمدة "ماكاتي" السابق "جوجومار بيناي" حول ضرورة فتح الباب أمام الراغبين في دخول السباق الرئاسي من غير الأثرياء ورموز الإقطاع. ولعل أبرز تلك الدعوات جاءت في خطاب ألقاه المذكور في إقليم زامبوانغا الفقير، أثناء جولة له مع الرئيس السابق "ايسترادا" الذي كان أول رئيس فليبيني منتخب من خارج دائرة النفوذ المالي والإقطاعي، وهو السبب الذي قيل إنه كان وراء التآمر عليه لطرده من السلطة كي تحل محله نائبته: سليلة عائلة ماكباغال الأستقراطية المصاهرة لعائلة أرويو الإقطاعية. وربما للأسباب نفسها دعت السناتورة "مريم سانتياغو" إلى تحديد الأسس التي سيتم بموجبها استعمال المال العام والممتلكات الرسمية في الدعاية والإعلان أثناء الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، وذلك انطلاقاً من حقيقة أن بعض المترشحين يستخدمون مناصبهم وعلاقاتهم بالمسؤولين للاستفادة من إمكانيات الدولة وأجهزتها العمومية أكثر من غيرهم. وطبقاً لمريم فإن المعلومات والمال العام والأجهزة العمومية كثيراً ما تستخدم في حملات ما قبل الانتخابات دون وجه حق وبصورة غير عادلة أو متكافئة، وهذا -على رغم أنه يتناقض مع مواد الدستور والقانون- يعرفه الجميع، ولكن الكل يتظاهر بأنه لم يرَ ولم يسمع شيئاً. وإذا ما قرر "نوي نوي" أن يخوض السباق الرئاسي، فإنه يحتمل أن ينافس "رالف ريكتو" وزير التخطيط الاقتصادي والاجتماعي، الذي استقال مؤخراً من منصبه استعداداً لخوض الانتخابات بعد أكثر من عام. وقد قيل في هذه الاستقالة المبكرة إنه قرار يتماهى مع النصائح التي وجهت للرجل بألا يخوض الانتخابات الرئاسية كمرشح للحزب الحاكم، وأن يبتعد عنه قدر الإمكان كي لا يرتبط اسمه بقرارات حكومة أرويو الضريبية المؤلمة، وأن يعوض ذلك بالتقرب من الحزب القومي "ناسيوناليستا بارتي" الذي يبحث رئيسه ومرشحه للرئاسة "ماني فيلار" عن شخصية معروفة كي يدرجها على تذكرته الانتخابية لمنصب نائب الرئيس.