بناءً على ما نشره \"دون سي. شيملسكي\" محرر صحيفة \"لوس أنجلوس تايمز\" يوم الجمعة الماضي، فقد وجهت مجموعة شركات \"روبرت ميردوخ\" الإخبارية، الدعوة إلى ملاك كل من \"نيويورك تايمز\" و\"واشنطن بوست\" و\"هيرست كورب\" للانضمام إلى ائتلاف صحفي جديد يطالب جمهور قراء الصحف الإلكترونية بدفع رسوم مقابل تصفحهم لتلك الصحف على الإنترنت. ويعرف عن \"وول ستريت جورنال\" الإلكترونية المملوكة لروبرت ميردوخ أنها قد بدأت سلفاً بمطالبة متصفحيها بسداد ما عليهم من رسوم قبل الاطلاع على محتوياتها. غير أن ميردوخ بدأ يجأر الآن بأن السبيل الوحيد لحماية \"الصحافة الإنجليزية المسؤولة\" وتمكينها من البقاء والاستمرار، كما يقول، هو مطالبة قرائها بسداد رسوم قراءتها، عداً ونقداً. والمطلوب، بحسب رأيه، من ملاك هذه الصحف ومواقعها الإلكترونية هو أن يتفقوا فقط فيما بينهم على ضرورة فرض رسوم محددة للاطلاع على الصحف، حتى تتسنى لهم ملاحقة من يتعدون على ملكيتهم الفكرية، دون رأفة أو رحمة. ويعتقد جوناثان ميلر -خبير ميردوخ الاستراتيجي- أن موقع \"وول ستريت جورنال\" الإلكتروني بات يوفر نموذجاً ممتازاً لبقية الصحف الإلكترونية الأخرى كي تحذو حذوه. وإذا ما تركنا جانباً حقيقة أن ميردوخ -الذي عمل على تخريب التغطية الصحفية الإنجليزية المسؤولة أكثر من أي شخص آخر غيره في زماننا هذا- هو الذي يهب الآن، للمفارقة، لإنقاذ ما دمره هو نفسه بالأمس القريب. ومع ذلك فإن الأمانة تقتضي القول إن قراره هذا يبدو وجيهاً وصحيحاً إن كان لهذه الصحافة أن تبقى وتستمر في ظروف الكساد الاقتصادي الحالي. يذكر أن الصحف الأميركية حصدت نحو 34.7 مليار دولار من الإعلانات المنشورة على طبعاتها الورقية في العام الماضي، بينما لم تحصد سوى مليار دولار لا أكثر من جملة الإعلانات المنشورة على نسخها الإلكترونية، مع العلم بأن عدد القراء الذين تصفحوا مواقع الصحف الإلكترونية شهرياً خلال العام الماضي وصل 67.3 مليون قارئ! وما لم يوضع حد لهذا الخلل في التوزيع -وعملياً في التسويق- بطريقة أو أخرى، فإن من المرجح أن تختفي الكثير من هذه الصحف، مع مرور الوقت. ولذا فلابد للكونجرس الأميركي من الإسراع بتشريع استثناءات لكبريات الصحف الأميركية من بعض الضرائب والتشريعات الخاصة بتحديد الأسعار ولو مؤقتاً في الوقت الحالي، بهدف تمكينها من الاستمرار في ظل ظروف الكساد العالمي الراهن. والسؤال الطبيعي الذي يثيره البعض في هذه الحالة: ما الذي يدعو الحكومة إلى دعم الصحف تحت كل الأحوال سواء كانت هذه الصحف مزدهرة أم تواجه كساداً في صناعتها؟ والإجابة جاهزة، وهي حقيقة أن السلطات الأميركية ظلت تستغل نفوذها وصلاحياتها التنظيمية في دعم الصحافة الحرة منذ العهد الاستعماري. فعلى سبيل المثال سمح كل من بنيامين فرانكلين وويليام هنتر -وكلاهما مسؤولان بالإنابة عن الحكام البريطانيين سابقاً- للمشتركين في صحف تلك الأيام باستلام نسخهم عبر صناديقهم البريدية بواسطة الرسالة البريدية المدفوعة مقدماً. بل إن كلاً منهما سمح بإرسال نسخة واحدة مجانية من كل صحيفة من كل ناشر إلى آخر. وقد كانت لتلك القرارات أهمية حاسمة في ضمان التدفق الحر للمعلومات بين الناشرين، وكذلك بين الموانئ والمعابر الرئيسية في ذلك الوقت، وبين شتى المدن الأميركية. ولدى تشريع أول قانون بريدي أميركي في عام 1792، لم تسر الإجراءات التي سنها كل من فرانكلين وهنتر فحسب، بل نص القانون على توفير دعم مالي كبير لكافة الصحف المرسلة بريدياً إلى المشتركين. وفي عام 1851 أمَّنت التشريعات الصادرة من الكونجرس للمشتركين في المجلات والصحف الأسبوعية استلام نسخهم مجاناً عبر البريد، بمن فيهم القراء المقيمون خارج حدود الولايات المتحدة الأميركية. وفيما لو أدى الكونجرس الدور المطلوب منه الآن في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، فإنه لن يفعل ذلك من أجل مصلحة الصحف ومالكيها وحدهم، وإنما خدمة للقارئ وحرصاً على حصوله على ما يلزمه من معلومات وتحليلات وأخبار. وعلينا هنا ألا ننسى حقيقة أن التعديل الأول في الدستور الأميركي ينص على الارتباط بين حرية الأديان وحرية التعبير وحرية الصحافة وكذلك حرية التجمع السلمي بغرض التعبير عن التظلمات والشكاوى. كما ينبغي ألا ننسى أن مشرعي تلك التعديلات وضعوا في الاعتبار أن سلامة الحكم تقتضي توفر المواطنين على ما يلزمهم من معلومات عبر وسائل الصحافة الحرة. فتوفر المعلومات هو الذي يمكّن المواطنين من الاحتكام إلى إرادتهم وضميرهم الحر، ومن التعبير عما يدور في أذهانهم دون خوف أو تردد. وفيما لو حرصت كبريات الصحف على صيانة هذه الحريات والمحافظة عليها، فإن عليها ربما أن تحذو حذو ميردوخ الداعي إلى سداد القراء ما عليهم مقابل اطلاعهم على النسخ الإلكترونية الصحفية التي يطالعونها في كل صباح. وعلى الكونجرس أن يسارع بتشريع القانون الذي يساعد الصحف الإلكترونية على فرض رسومها على القراء. تيم روتن كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"