قال العارفون \"أحد عشر كوكباً حازها يعقوب عليه السلام، لكنه ما ارتد بصيراً إلا بقميص يوسف عليه السلام، وأحد عشر شهراً في كل عام لا تعيد للنفس سكينتها وللقلب بصيرته كما يفعل شهر رمضان\". وهذا الشهر يربح فيه الكل، لكن بدرجات مختلفة، وتعتمد عملية الربح والخسارة في هذا الشهر على العديد من المتغيرات هي في حقيقتها تعبر عن الفشل والنجاح في هذا الشهر، وقد جاء في الحديث الصحيح على شرط البخاري \"رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر\" رواه النسائي وابن ماجه. وأول مؤشرات النجاح في الصوم هي النية، التي يتساهل فيها البعض، ففي الحديث المشهور لدينا \"إنما الأعمال بالنيات\"، فمدى إخلاص النية في أعمال الآخرة من أهم مؤشرات النجاح أو الفشل، فرب صائم يفعل كل أعمال الصوم؛ لأن الناس كذلك يفعلون، أو يقوم بهذه الأعمال كي يقال عنه إنه يفعل كذلك، والله تعالى غني عن الشرك، ففي حديث مسلم قال عليه الصلاة والسلام عن ربه \"أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه\"، فمن فعل أمراً وهو يقصد الشهرة فقط أو السمعة وكلام الناس، فإن جزاءه سيكون في الدنيا، ففي حديث الإمام مسلم أول الناس يقضى يوم القيامة رجل استشهد ورجل تعلم وقرأ القرآن ورجل أنفق المال كلهم ادعوا أنهم إنما فعلوا ذلك لله، لكن المجاهد فعل ذلك كي يقال عنه إنه شجاع وقد قيل، وقارئ القرآن إنما فعل ذلك كي يقال إنه قارئ وقد قيل، وذو المال فعل ذلك كي يقال جواد وقد قيل، يؤمر بهم إلى النار. إن الصيام جاء كي يهذب النفس البشرية ويعلمنا التحكم في أعصابنا ومشاعرنا، وليس كما يعتقد البعض أنه شهر يسبق أحدنا غضبه ولا يستطيع أن يتحكم فيه، لذلك ورد في الحديث الصحيح \"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه\". ومن الأخطاء التي يقع فيها الناس وتجعلهم من الخاسرين في رمضان السهر طوال الليل في غير ما يرضي الله تعالى، ومن ثم النوم طوال النهار، فيمر عليهم الصوم وهم في حلم يتقلبون فيه على فراشهم، فكيف يدرك أجر الصيام ونفحاته من كان هذا سلوكه، الصوم تزكية للنفس عبر العبادة والتي من أجلها يترك الإنسان شهواته وهو يعاني من جوع وعطش رغبة منه في أجر الله تعالى وهذا لا يكمل بالنوم طوال نهار رمضان. ومن الأخطاء التي يقع فيها البعض أيضاً شغل وقت الصوم بأعمال تتنافى مع جوهر الصيام فالبعض يدرك من المسلسلات والبرامج المعدة لهذا الشهر أكثر مما يتلو من القرآن أو يتدارس من كتب مفيدة. لقد ورد أن الإمام مالكاً كان يترك العلوم كلها ويتفرغ في هذا الشهر للقرآن، سبحان الله فكيف يدرك إنسان تمام الفائدة من رمضان وهو يتقلب من قناة إلى أخرى ومن برنامج إلى غيره، خصوصاً أن بعض هذه المسلسلات فيها ما قد لا يناسب الصوم. إن الإسراف من الأمور المنهي عنها شرعاً، وأخطر الإسراف ما يكون في رمضان فكأن الإنسان يعوض ما ينقصه طوال اليوم بموائد تزدحم بها المعدة إلى درجة أن هذا الإنسان يجد نفسه منهكاً عن إكمال العبادة خلال بقية اليوم. الجود أمر محمود في رمضان ولكن الإسراف نهينا عنه شرعاً. ومن المحرومين في رمضان من كانت عبادته كما هي قبل رمضان، فهذا الشهر يعد فرصة لتنويع العبادات والإكثار منها، ففي حديث البخاري أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان \"إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أيقظ أهله وشد المئزر\" وفي الحديث الآخر أن \"الرسول عليه الصلاة والسلام كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان\"، فالاجتهاد في رمضان أمر مشروع لعظيم الأجر وتزكية النفس، فإذا تعودت العبادة أصبح اقتيادها في غير رمضان أمراً سهلاً، وفقنا الله تعالى كي نكون من الناجحين في هذا الشهر.