سلطة الاتصالات: مصادر وآفاق! يحتوي كتاب" قدرة الاتصالات" الذي نعرضه في هذه المساحة للكاتب الإسباني "مانويل كاستيلز" الذي يعتبر من أبرز منظري ومحللي عصر الشبكات والاتصالات الحديثة، وقد ألف العديد من الكتب التي حققت رواجاً كبيراً، وأشهرها كتاباه: "مجرة الإنترنت" و"ثلاثية المعلومات"... على بحث في آليات السلطة السياسية والمالية التي تتم ممارستها من خلال الوسائط الاتصالية، كما يشتمل على جانب تحفيزي تعبوي حيث يدعو كافة المواطنين لاستخدام تقنيات الاتصالات الحديثة، وليس فقط الإنترنت، وإنما أيضا الهاتف النقال، لما يتمتع به من إمكانيات رهيبة في الحشد والتعبئة عبر الرسائل النصية، وذلك من أجل بناء قواهم الذاتية التي تقف أحياناً ضد قوى سادتهم السياسيين والمؤسساتيين، والتي يمكن استخدامها أيضاً في تأمين اختيار بعض من هؤلاء السادة أو الرؤساء مثل باراك أوباما الذي نجح بشكل فائق في توظيف إمكانيات الإنترنت، والوسائل الاتصالية الحديثة، في حشد تأييد هائل ضمن له الفوز في سباق الرئاسة. ومن منظور "كاستيلز" أن قوى الاتصالات تتجمع على هيئة مجرّة يساعد كل كوكب فيها باقي الكواكب على الاستمرار في التواجد بل وتعزيزه أيضا. توضيحا لذلك يقول: "إن الشبكات ووسائل الإعلام بمختلف تخصصاتها، يمكن أن تكون مملوكة من قبل شخص واحد كالقطب الإعلامي الكبير "روبرت ماردوخ" مثلا، لكنها تظل منفصلة مع ذلك من حيث طبيعة وآليات عملها، حيث تقوم كل منها بإنجاز البرامج المنوطة بها، وتحقيق الأهداف المحددة لها. وما يحدث في الواقع هو أن تلك الوسائل عندما تعمل بشكل جيد، فإنها تؤدي تلقائيا إلى تيسير وتعزيز آداء كل برنامج، وتحقيق كل هدف من برامج وأهداف الشبكات الأخرى". هذا هو الطرح الأساسي الذي ينهض عليه كتاب كاستيلز الذي يقول في معرض إلقاء المزيد من الضوء عليه، إن تمدد الشبكات القائمة، وظهور شبكات جديدة، والزيادة المستمرة في سرعة الإنترنت... أسباب أدت معاً إلى وضع "معجزة" في أيدي المواطنين العاديين وهي معجزة تتمثل في قوة شبكية هائلة لم يسبق أن تمتعوا بها. ويستخدم الكاتب ثلاثة أمثلة؛ أولها: نمو وانتشار الحركة البيئية. وثانيها: حشد وتعبئة الإسبان ضد حكومة "خوزيه ماريا أزنار" التي غالطت الشعب الإسباني بشأن هجمات مارس 2004. وثالثها: حملة أوباما الرئاسية عام 2008... من أجل توضيح كيف أن تقنية الاتصالات الحديثة يمكن أن تساهم في تشكيل قوة دافعة كبيرة لديها القدرة على إجبار أفراد وحكومات ومؤسسات على الخروج من السلطة، وإحلال أفراد وحكومات ومؤسسات وقوى جديدة محلها، أو تدفعها دفعاً لتغيير سياساتها على أقل تقدير. بيد أن كل حالة من تلك الحالات تختلف عن باقي الحالات كما يرى المؤلف. ففي الحالة الأولى مثلا لم يجد العلماء الذين أصابهم الإحباط بسبب ضعف الاهتمام الرسمي بالأدلة التي قدموها بشأن الضرر الذي ألحقه البشر بالبيئة، مفرا من اللجوء إلى أساليب العلاقات العامة، ووسائل الإعلام، لمشاغلة الجمهور الذي لا يعرف عادة، أو لا يريد أن يعرف، ما يدور حوله من أمور عامة، وإن كان يمكن اجتذابه من خلال مواد التسلية والمنوعات. أما في الحالة الثانية، فإن الاحتجاجات ضد إصرار حكومة "أزنار" على أن تلك التفجيرات كانت من تدبير وتنفيذ منظمة "إيتا" الإرهابية المنادية بانفصال إقليم الباسك عن إسبانيا وليس تنظيم "القاعدة"، بدأت من خلال رسالة نصية على هاتف متحرك تدعو إلى التظاهر احتجاجا على الحكومة، وتطلب من المرسل إليه، أن يقوم بتمرير الرسالة إلى من يعرفهم وهو ما حدث عدة آلاف من المرات. أما حملة أوباما فتمكنت من حشد دعم استثنائي ليس من أصوات السود الأميركيين وغيرهم من الأقليات، بل من قطاع كبير من الطبقة الوسطى المتعلمة الخبيرة بتقنية الإنترنت والقادرة والراغبة في المساهمة ببضعة آلاف من الدولارات في مصاريف حملة الانتخابات بمجرد عدة كبسات على الزر. والحقيقة أن هذه الأمثلة التي تبين مدى السلطة التي أصبحت أدوات الاتصالات الحديثة تتمتع بها، تستمد قوتها من حماس المؤلف ذاته للقضايا التي أوردها في تلك الأمثلة، كما تستمد قيمتها أيضا من كونها كانت تمثل نقاط تحول حاسمة في عصر ثورة المعلومات، حيث بينت بشكل جلي مدى قدرة تلك الوسائل على الحشد والتعبئة، بصورة فاقت بكثير وسائل الحشد والتعبئة التي كانت تتطلب جهداً أكبر بما لا يقاس من القائمين عليها ولا تنجح في تحقيق نفس النتائج. كما تكشف تلك الأمثلة أن التقنية الاتصالية قد فتحت الباب واسعاً أمام المهتمين بالمساهمة في الأنشطة العامة. كل ذلك جيد، لكن المؤلف لم يتوقف كثيراً أمام حقيقة أن تلك الوسائل مفتوحة أمام الجميع، سواء أكانوا من محبي السلام أم من مروجي الكراهية، ولو كان قد ضمّن كتابه فصلا عن المخاوف المتعلقة باستخدام التقنية الاتصالية المتطورة بشكل مطرد ومنها مثلا زيادة التحيز والتمييز ضد ذلك القطاع من المواطنين الذي لا يمتلك أو لا تتوافر لديه إمكانية الوصول لتلك الوسائل، لكان هذا الفصل مفيداً في جعل معالج المؤلف لهذا الموضوع الشائق أكثر عمقاً وشمولا في آن معاً. سعيد كامل ----------- الكتاب: قدرة الاتصالات المؤلف: مانويل كاستيلز الناشر: أكسفورد يونيفرستي برس تاريخ النشر: 2009