تؤدي التعرية المستمرة للمسطحات الجليدية في القطب المتجمد الشمالي إلى كشف مسطحات أكبر من مياه المحيط على نحو غير مسبوق. وفي مسعى منها لسباق الدمار البيئي الذي سيحلق بالمنطقة، اتخذت الولايات المتحدة الأميركية من الإجراءات ما يمنع صيد الأسماك البحرية في تلك المنطقة التي أصبحت خالية من المسطحات الجليدية في القطب الشمالي، قبل أن تزدهر فيها هذه الصناعة الجديدة. ففي تحرك غير مسبوق سارعت وزارة التجارة الأميركية إلى دعم خطة ترمي لإغلاق مساحات واسعة من القطب الشمالي في وجه صائدي الأسماك، بموجب تشريع فيدرالي، رغم ضآلة أنشطة صيد الأسماك في المنطقة حالياً. وعلى حد قول "مارلين هيامان"، رئيسة برنامج القطب الشمالي بمجموعة "بيو" للدراسات والأبحاث البيئية بواشنطن دي سي، فإن هذا القرار تاريخي، لأنها المرة الأولى التي تتحرك فيها الحكومة الأميركية، بالسرعة والحزم المطلوبين، لحماية نظام بيئي بكامله قبل أن تبدأ صناعة صيد الأسماك التجارية بتخريبه. وجاءت الخطة التي وافق عليها وزير التجارة "جاري لوك" في العشرين من أغسطس الجاري، في إطار التنبؤ بأن تصبح مناطق شاسعة في القطب الشمالي خالية من المسطحات الجليدية خلال الجزء الأعظم من موسم الصيف الحالي. ويرد العلماء هذه التعرية الجليدية في المنطقة إلى تأثيرات التغير المناخي، إلى جانب التغيرات الطبيعية التي طرأت على حركة الرياح. وبفعل هذه التغيرات، من المتوقع أن تنجرف أجزاء كبيرة من جليد القطب الشمالي باتجاه مياه المحيط الأطلسي خلال موسم الصيف. ويشمل حظر نشاط صيد الأسماك في المناطق المذكورة من القطب الشمالي، أجزاء من ولاية ألاسكا تقع على بعد ثلاثة أميال من مياه القطب الشمالي. وتشمل هذه المناطق في الولاية، مصائد أسماك الهلبوت الضخمة وكذلك مصائد أسماك السلمون، مع العلم أن كلتيهما تتمتعان بحماية خاصة بموجب تشريعات الولاية. ويجدر بالذكر أن "مجلس إدارة مصائد شمالي المحيط الهادي" هو الذي اضطلع بوضع خطة حماية أسماك القطب الشمالي، وهو عبارة عن هيئة إدارية معنية بتنظيم نشاط صيد الأسماك ويتألف من ثمانية مجالس إقليمية تقع في نطاق تشريعات الثلاثة أميال بين الولاية والأخرى، وحد الـ200 ميل الحصرية الخاصة بنشاط تجارة صيد الأسماك على المستوى القومي الأميركي العام. وتشمل عضوية المجلس مسؤولين من الحكومة الفيدرالية، وممثلين لولايات ألاسكا، وواشنطن وأوريجون، إضافة إلى ممثلي صناعات صيد الأسماك والسياحة البحرية، وممثلين لعامة الجمهور الأميركي. ويطالب مؤيدو الخطة بتمديد إجراءاتها التحوطية لتشمل حماية موارد طبيعية أخرى أصبحت أكثر عرضة للاستخدام الجائر بسبب التعرية الجليدية المستمرة في منطقة القطب الشمالي خلال الجزء الأكبر من موسم الصيف. وتشمل الأنشطة هذه: الحفريات النفطية، واستخراج الغاز الطبيعي من الطبقات القارية، وتزايد حركة السفن في المنطقة، إضافة إلى تنامي نشاط التعدين تحت سطح القطب الشمالي. غير أن الحظر المفروض في الوقت الحالي ليس دائماً. بل تشمل خطة "المجلس" فتح مياه المنطقة فيما بعد أمام الملاحة وصيد الأسماك المستديمين. ولكن لن يتم اتخاذ قرار لاحق بهذا الصدد إلا بعد أن يفرغ العلماء من جمع المعلومات اللازمة عن أنواع الأسماك في القطب الشمالي والدور الذي تؤديه في الحفاظ على النظام البيئي للقطب المتجمد. والمتوقع أن يستغرق جمع المعلومات المطلوبة وقتاً ليس بالقصير. وعلى حد قول "ستانلي سينار"، المدير التنفيذي لـ "جمعية أودوبون" في ألاسكا، فالمعلومات لا تزال أولية جداً عن أسماك القطب الشمالي. فوق ذلك فإن الكثير من أسماك المنطقة لا يزال مصدراً مستداماً لحيوانات المنطقة نفسها، مثل الفقمة والدب القطبي وغيرهما. ويعود ذلك إلى سمك الطبقات الجليدية حالياً في القطب الشمالي، الذي يجعل من الصعب أصلا الحصول على أي معلومات عن الثروة السمكية. ولسد هذه الثغرة المعلوماتية، يسعى الكونجرس الآن لتشريع قانون يطلب بموجبه من "مجلس البحوث القومي" إجراء دراسة لمدة عام كامل، بهدف الكشف عن الثغرات المعلوماتية المتعلقة بإدارة النظم البحرية في منطقة القطب الشمالي. وحسب تقديرات "ستانلي" فما أن يتم التعرف على تلك الثغرات المعلوماتية وتحديدها، حتى يستغرق سدها ما يتراوح بين 4 و8 سنوات أخرى. وهذا هو الأرجح غالباً، خاصة إذا ما لجأت الحكومة الفيدرالية إلى إجراء الدراسات الشاملة التي سبق إجراؤها من قبل على الطبقات القارية الخارجية لمنطقة القطب الشمالي خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، مع العلم أنها آخر دراسة وافية تجريها الحكومة في تلك المنطقة. غير أن خطة حماية مصائد القطب الشمالي هذه تكشف عن مشكلة أخرى هناك. فهي تنص على أن تتحمل المسؤولية عن تنفيذها كل من "إدارة المجال القطبي القومية" و"إدارة خفر السواحل الأميركية". وإلى جانب هذه المهمة الجديدة، على إدارة خفر السواحل القيام بمهامها التقليدية، بما فيها الاستجابة للحالات الطارئة مثل انتشار بقع الزيت في مياه المحيط أو المشكلات الطارئة التي تتعرض لها السفن المارة بالمنطقة. وتتلخص المشكلة التي تواجه قوات خفر السواحل مع هذه المهمة الجديدة، في محدودية وضيق الإمكانات المتوفرة لها، على حد قول الأدميرال "تاد ألان"، قائد قوات خفر السواحل. فبالإضافة إلى صعوبة الظروف المناخية التي تعمل فيها القوت في المنطقة القطبية، هناك مشكلة نقص الإمكانات، خاصة فيما يتعلق بالسيطرة والتحكم ونظم الاتصالات والوسائل المساعدة على سرعة الإبحار في تلك المنطقة الوعرة القاسية. ------ بيتر إن. سبوتس كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"