مجتمع الإمارات لا نقول منذ نشأة الاتحاد، بل منذ آلاف السنين عُرف بانفتاحه على الآخرين ولم تمر عليه فترة زمنية، عرف فيها الرفض أو عدم قبول الأجناس الأخرى من غير أهل البلد الأصليين في التواجد على أرضه في شتى صور المعيشة المعروفة لدى الجميع. وبالتالي فإن الفكر الذي يسود المكان وأصحابه يتسم بالتسامح مع الاحترام لكل المعتقدات والأديان التي تتواجد مع كافة القاطنين في المجتمع بلا استثناء. في هذه الأيام المعطرة بنفحات التسامح في هذا الشهر الكريم بدأنا نسمع نبرات من فكر "الاستئصال" تبث عبر القنوات الإعلامية المباشرة من بعض المتذمرين باسم "الغيرة على الدين" من بعض المناظر التي يعتبرها هذا البعض خادشة للحياء العام وفق تصوره وليس حسب الأنظمة والقوانين التي تحكم مجريات الوضع الاجتماعي في الدولة. إلى درجة أن هذا البعض يطالب بتشديد العقوبات على من لا يلتزم بالزي المحتشم، وكذلك الآخر الذي لا يلتزم كذلك بالإمساك التام عن الشراب والطعام مثله مثل المسلمين الآخرين، والدعوة إلى إغلاق محطات البترول والمتاجر التجارية العامة التي تبيع احتياجات الناس الضرورية في رمضان وغيره من الشهور، وذلك لأن احتمال قيام غير المسلمين بتناول الأطعمة والمشروبات علناً وارد إذا ما وجد هؤلاء فرصة لممارسة هذا السلوك الذي يتنافى مع حرمة رمضان. وقد جمع لقاء على الهواء مباشرة صاحب هذا الطرح "الاستئصالي" وأحد المسؤولين عن الأمن في المجتمع، حيث الحوار يدور على هذا النحو رجل الأمن يصر على أن القوانين الموجودة بالدولة هي التي بيدها الحسم في حال وقوع مثل هذه المخالفات وتم الإبلاغ عنها رسمياً، و"الاستئصالي" لا يعجبه ذلك إلا أن يأخذ هذا "الحق" المزعوم بيده وقد فعل ذلك مع إحدى النساء اللاتي كنّ يقمن بشراء حاجياتهن الاعتيادية التي اعتبرها غير محتشمة فردت عليه في وجهه قائلة: هذا أمر لا يعنيك فاذهب إلى حال سبيلك. فرد عليها إذا أردت أن تلبسي مثل هذه الملابس فارجعي من حيث أتيت!! فلو قام كل واحد من أصحاب هذا الفكر بمثل هذه التصرفات التي قد تقع هي ذاتها تحت طائلة القانون عندما تحد من حريات المقيمين وفقاً للأنظمة المرعية، فإن الفوضى هي البديل وهو ما لا يمكن تقبله في مجتمع لا يتعامل مع الناس عبر المظلة الدينية. وهناك أفراد في المجتمع لا يرون إلا أنفسهم وكأن الشواطئ والفنادق والمنتجعات وأماكن الترفيه الأخرى بنيت في المجتمع للتو. فيحدثك أحدهم عن الإمارات وكأنها جزيرة معزولة لا يعيش بها غير سكانها، مع أن الواقع الذي يغمض هذا الفكر عن الاعتراف به يقول إن مجتمع الإمارات لديه من القدرات الاجتماعية لاستيعاب كل الشعوب على أرضه، وبمختلف عاداتها وتقاليدها التي يريد أصحاب الفكر الاستئصالي رفع شماعة الاعتراض والنقد المتطرف حيالها. إن هذه الشريحة وإن كانت "قليلة" إلا أنها لا تسمح لصوت القانون أن يصل إلى الناس لأن صوت "الدين" عندها أعلى من كل الأصوات وينسى هؤلاء القلة بأن الإمارات ومنذ النشأة دولة مدنية وليست دينية تحاسب الناس على تصرفاتهم غير المقصودة وفق هذيان "طالبان" وغيرها في مجتمعاتها التي لم تُفرخ إلا تطرفاً وإرهاباً وبعد ذلك قتلا وتدميراً.