ينعم المسلمون في رمضان بسكينة وطمأنينة عامة تظهر آثارها على سلوكيات الكثير من الناس فترى للرحمة بصمة واضحة في أقوالهم وأفعالهم، فيعمرون المساجد بصلاتهم ويكثرون من تلاوة القرآن وتلهج ألسنتهم بذكر الله، وقلوبهم بدعائه والتضرع إليه، ويبادر الكثير منهم ببذل المال وإخراج الصدقات للمحتاجين والمعوزين، وترى العديد من الناس يستغل هذه الأجواء الإيمانية لمحاسبة نفسه على ما قدم من أعمال، ومن ثم المسارعة إلى التوبة والإنابة إلى الله عز وجل. والحال أن هذه فرصة متاحة لكل مؤمن، بل هي أمر واجب شرعاً يفرض على كل مسلم محاسبة نفسه ومراجعتها لكي ينال رضا الله تعالى ومغفرته. ولذا فإن رمضان فرصة للتأمل والمراجعة للجميع، وبالذات للذين يعملون باسم الإسلام ويتبنون الدعوة إليه. إنها فرصة للمراجعة لكي يتقوا الله في أنفسهم وفي أمتهم. إن العديد من المنتمين للجماعات الإسلامية الذين قاموا بمثل هذه المراجعات اكتشفوا جسارة الجرم الذي وقع بسببهم على أنفسهم وعلى أمتهم فمنهم من كانت لديه الشجاعة ليعلن على الملأ رجوعه عن ذلك الطريق ونبذه لتلك الأعمال، بل قام ببيان الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على بطلان تلك الأعمال التي قام بها، وقد وصل إلى هذه النتيجة بعد أن نضج علمياً واستقل فكرياً، ولكن هذا حدث بعد مرور سنين طويلة، وبعد أن وقع الفأس في الرأس، ووقع ضحية الفكر الذي كان يدعو إليه ويتبناه العديد من أبناء الأمة فسالت دماء وهتكت أعراض وأهدرت أموال بسبب فكر خاطئ وتسييس للدين للوصول إلى السلطة أو لتحقيق أغراض شخصية أو خدمة لجهات خارجية. إن الأجواء الروحانية التي يعيشها الإنسان في رمضان هي فرصة لكي يتأمل قادة هذه الجماعات قدر الضرر الذي وقع على الأمة الإسلامية بسبب أقوالهم وأفعالهم، والنتيجة التي وصلوا إليها هم وأهلهم ومجتمعاتهم، ولينظروا منذ بداية نشأة هذه الجماعات وحتى اليوم، ماذا حققت هذه الجماعات؟ هي تزعم أنها تريد وحدة المسلمين وهي منبع الفرقة منذ نشأتها، وهي تفرخ كل يوم المزيد من الجماعات التي تضلل الواحدة الأخرى وتقدم للأمة متطرفاً جديداً يرى في نفسه أنه هو الوحيد المؤهل لـ "قيادة" الأمة والبقية "جهلة" وضلال، وأن المخالفين له حلال دمهم، ولذا "يجوز" قتلهم بدم بارد! وهذا ما حدث في غزة قبل أيام من رمضان بين "حماس" وإحدى الجماعات التي خرجت من عباءتها، وكذلك معركة من يقود "طالبان باكستان"، والتي راح ضحيتها العديد من قياداتها، وكل هذا يقع باسم الإسلام! إن أفراد هذه الجماعات بحاجة إلى أن ينظروا إلى الصورة الكبرى، ويروا النتيجة التي وصل إليها من سبقوهم، لكي يدركوا المصير الذي سيؤولون إليه، وأن أقرب الناس إليهم في هذا الطريق قد يكون هو من يصدر أمر قتلهم. وأما بالنسبة لأتباع هذه الجماعات ففي رمضان فرصة لهم لكي يتأملوا أحوالهم، وكيف أنهم ألغوا عقولهم ومكنوا غيرهم من توجيههم باسم الدين لتحقيق أغراضه الخاصة. إنهم بحاجة إلى الاستقلالية في التفكير كي يحاسبوا أنفسهم بعيداً عن تأثير رؤوس هذه الجماعات، وأن يدركوا أن كل هذه الجماعات باختلافاتها المتعددة تحرّف النصوص الشرعية من آيات كريمة وأحاديث شريفة لخدمة أغراضها في صراعها مع بعضها بعضاً، وإن بعضها سيغير مواقفه تبعاً لتغير مصالحه. وإنهم اتباع، إنما هم أدوات يستخدمها "القادة" لتحقيق أجنداتهم الخاصة. ومن هنا فإن أجواء رمضان الإيمانية لهي فرصة حقيقية لإدراك عظمة هذا الدين، والرحمة التي تسع الجميع، بالتزامهم بوسطية الإسلام واعتداله.