مثلها في ذلك مثل أمهات كثيرات، تشتكي"لي شو بنج" من عدم قدرتها على السيطرة على ابنها المراهق الذي يهمل دروسه ويقضي معظم لياليه في ممارسة الألعاب الإليكترونية في أحد مقاهي الإنترنت. لذلك، فإنها عندما سمعت عن إقامة معسكر صيفي في مقاطعة "سيتشوان" الزراعية لمعالجة الإدمان على الإنترنت، لم تتردد في تسجيل ابنها في ذلك المعسكر مقابل 715 دولاراً، ولم تأبه كثيرا لما قيل من أن القائمين على البرنامج يطبقون أساليب صارمة، لاعتقادها أن الصرامة يمكن أن تساعد ابنها على التخلص من إدمانه على الإنترنت، والعودة مجددا إلى دراسته. وحالياً يرقد ابن هذه السيدة، ويدعى" لو ليانج" (14عاما) في حالة خطيرة بالمستشفى حيث يعاني من كسور في الضلوع، وإصابة في الكلية، ونزيف داخلي بعد أن نقلته الشرطة من المعسكر الأسبوع الماضي، إثر تعرضه للضرب العنيف من قبل أحد المشرفين على البرنامج بسبب إخفاقه في إتمام تمرين رياضي. تقول "لي" التي تدير محل نجارة في"تشينجدو"، إنه لم يخطر على بالها قط أن الصرامة يمكن أن تصل إلى هذه الدرجة، أو أن يتعرض ابنها إلى معاملة قاسية على هذا النحو؛ "كان كل ما أدته أن يساعدوه على العودة إلى الحياة الطبيعية، بعيدا عن إدمان الإنترنت". وقبل ثلاثة أسابيع من تلك الحادثة، تعرض مراهق آخر إلى الضرب حتى الموت في معسكر صيفي آخر لمعالجة الإدمان على الإنترنت" في مقاطعة "نانينج"، ولم يكن هذا المراهق ذو الخمسة عشر عاما قد أمضى أكثر من 48 ساعة في المعسكر عندما تعرض للضرب المميت. وعقب موته ألقت السلطات القبض على 13 شخصاً وأغلقت المعسكر. هذان الحادثان يسلطان الضوء على ظاهرة منتشرة في الصين تقوم على استخدام القوة المفرطة لفطم المراهقين عن إدمان الإنترنت. فحسب تقديرات "جمعية شباب الإنترنت الصينيين"، يوجد في الصين 300 معسكر لمكافحة الإدمان على الإنترنت. وتستخدم هذه المعسكرات وسائل، مثل العلاج بالصدمات الكهربائية، والعقاقير المضادة للاكتئاب، بينما يكتفي بعضها الأكثر رأفة بإرسال المشتركين عبر جولات لتسلق الجبال والانغماس في الطبيعة المحيطة، كما تقوم معسكرات أخرى بتوظيف أعضاء سابقين في جيش التحرير الصيني لتدريب المشتركين على تمرينات يرتدون خلالها ملابس عسكرية. وإلى حد كبير، فإن تلك المعسكرات تتبع نفس المنطق الذي اتبعته حركة "ماو تسي تونج" في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما كانت ترسل شباب المدن إلى المناطق الريفية لاكتساب الصلابة والخشونة، والفارق فقط هو أن أولياء الأمور هم من يرسلون أبناءهم إلى الريف وليست الدولة. "كان ماو على حق في فكرته، فإذا ما كان الشاب من المدينة، فإنه يجب أن يذهب إلى الريف ليجرب خشونة العيش فيه"، هذا ما يقوله "ويو يونجين" الذي يدير مركزا تدريبيا صينيا غير تقليدي يقع في مدينة "ديانج". ويضيف "يونجين"إن الحاجة لذلك "تزداد الآن بسبب التدليل الشديد الذي يعامل به الأطفال والمراهقون، مقارنة بما كان عليه الحال في الماضي". ويدافع "ويو" عن استخدام الأساليب القاسية في التعامل مع المراهقين المنحرفين ويورد في هذا السياق قصة مراهق وضع سكينا على عنق أمه من أجل إجبارها على إعطائه النقود التي يحتاجها للذهاب إلى مقهى الإنترنت الذي يتردد عليه، وأخرى عن مراهق أفرط أهله في تدليله إلى درجة أنه كان يحتاج إلى من يساعده على غسل شعره. ويؤكد "ويو" أنه يقوم بتعليم المراهقين المهارات التي تعينهم على أداء أشياء يميلون إلى التملص منها عادة؛ مثل غسيل وكي الملابس وطهي الطعام. "ليس هناك مانع من ضرب المشتركين في مثل تلك المعسكرات بشرط ألا يكون ذلك الضرب مؤذيا"، هذا ما يؤكده "ويو" الذي يلقي باللوم في الإصابات الخطيرة التي تعرض لها "بيو" على أحد المعلمين الذين يفتقرون للخبرة في تنفيذ العقاب البدني. وهذا المعلم قيد الاحتجاز الآن من قبل الشرطة التي تحقق في الحادث. والحوادث الأخيرة كانت سببا في موجة جديدة من موجات "مراجعة النفس" في الصين التي أصدرت وزارة الصحة فيها، الشهر الماضي، أمراً إلى أحد المستشفيات في مقاطعة "شاندونج" بإيقاف العلاج بالصدمات الكهربائية، حين أشارت البلاغات إلى أن ذلك المستشفى يقوم بإجرائها على 3000 شاب. ويسخر "كونج لينجهونج" الذي كان من أوائل من افتتحوا معسكراً للعلاج من إدمان الإنترنت في ضواحي العاصمة بكين، من أساليب القهر التي يطبقها منافسوه، ويقول: "لن تستطيع أن تعالج مدمنا من إدمانه ما لم يكن هو نفسه راغبا في العلاج... وأعتقد أن المسألة كلها تنحصر في التوعية أي مساعدة هؤلاء المراهقين والشباب على إدراك الفارق بين العالم الافتراضي الذي يجدونه على الإنترنت، والعالم الحقيقي الذي يعيشون فيه، وذلك من خلال إتاحة الفرصة لهم كي يتفاعلوا مع الطبيعة وإدراك ما يحتوي عليه العالم الواقعي من جاذبية". ------- باربرا ديميك كاتبة أميركية متخصصة في شؤون العلوم والتقنية ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"