العقل العربي يغيب عنه الفكر التحليلي، وهو عقل يميل للتسطيح في فهمه للظواهر الاجتماعية ومن ثم فنتائجه لا تقود إلى فهم الواقع المعاش ولا إلى تعدد في فهم الحدث. ونجد مخارجنا ضمن فهمنا الثقافي المتراكم، وهو تراكم يحتوي على تناقضات ويحمل كثيراً من الشوائب، لذا نجد استمراراً في النهج في تحليلنا لمختلف الظواهر ومنها الراديكالية الإسلامية. لقد مررنا بمنعطفات تاريخية مهمة شكلت كثيراً من ملامحنا النفسية والثقافية، وهذه المنعطفات كان يفترض أن تتحول إلى محطات تأمل نقف فيها لنراجع ونحلل ونتعرف على ما حدث وأسبابه، بمعنى أن نفكك الظاهرة إلى أجزائها ومكوناتها، لكننا نقفز على الواقع لتمكن الخوف في النفس والعقل، ومن ثم نبحث عن متنفس مريح للعقل والنفس، وهو مخرج وهمي لا يحل الإشكال في العقل والنفس، لكن هذا النمط في مواجهة الظواهر ترك آثاره علينا وأبعدنا أميالا عن الحقيقة التي نهرب من مواجهتها ولا نريد الاقتراب منها، متوهمين بأن الزمن كفيل بالتعامل معها. وهنا تبرز إشكالية كبيرة في نمط التفكير حيث ما نقوم به هو محاولة إعفاء من المسؤولية والبحث عن مشجب نعلق عليه الفشل الذي لا نحسه ولا نعترف به، بل هو نوع من الفشل يقود إلى فشل أكبر وأكثر تعقيداً. وهكذا نجد أنفسنا أمام ظواهر معقدة يعجز العقل عن استيعابها. والعلة هنا ليست علة فئوية أو طبقية بقدر ما هي نمط فكري ثقافي نفذ إلى المجتمع بتكويناته الاجتماعية المختلفة. قبل أسابيع قليلة تم اعتقال خلية في الكويت، وكالعادة وصفت بأنها من أتباع "القاعدة"، وقبلها في البحرين وفي اليمن والسعودية ومصر والجزائر والمغرب... وربما في كثير من البلدان العربية التي لديها المشكلة، لكن قد لا تعلن عنها، وحتى في أوروبا وجدت الراديكالية زواياها وهي تندفع نحو الحشد عندما تجد وقتها وهي قد تكون نائمة وتنطلق في الوقت الذي تريده. السؤال الذي علينا أن نسأله: هل "طالبان" باعتبارها دولة كانت قائمة هي خلف ما يحدث، أم أن بن لادن، زعيم "القاعدة"، هو من يحرك هذه الخلايا؟ المشهد السياسي العربي يحصر نفسه في فرحة القبض على الخلايا، ولا يبحث في المسببات، وهو يعلن ويشعر بالفخر، لكنه يعجز عن تفسير استمرار وترابط الخلايا، ويجهل محركاتها، ومن ثم هو يبتعد في فكره وتحليله ويترك مساحة وفسحه للتطرف أن يدير أعماله بهدوء، لأن من ينظم الفكر الراديكالي لا يعبأ بإعلانات القبض على أتباعه، إذ في فكرهم أنه في الطريق الى الجنة، والعذاب والمحاكمات ما هي إلا ضريبة عليهم أن يدفعوها لكي يصلوا إلى مبتغاهم، أما "الشهادة" فهي الجائزة الكبيرة التي يسعد من يحصل عليها. وهنا إشكالية ثقافية شكلت فكراً له منطلقاته وقواعده، وطالما لم نفهم القاعدة الحسابية، فسنبقى بعيدين عن الواقع والحقيقة في تحليلنا للظاهرة الإسلامية الراديكالية. لو أخذنا دولة كالجزائر وحاولنا أن نفهم التحولات التي تحدث فيها، فنحن أمام ظاهرة معقدة، حيث الجزائر دولة منفتحة تاريخياً وتحمل مكونات ثقافية أوروبية فرنسية، لكنن نفاجأ بأن هذه الدولة تحتوي على فكر انتحاري متوسع بين قطاعات المجتمع، وله أحياناً قبوله الخفي ويحظى بمعاونة البعض، وهو يتميز بنوع من التأثير... ويقابل ذلك فكر دولة يمتد في فهمه للعقل العربي. الإسلام الراديكالي حقيقة معاشة، لا يمكن الهروب منها بأساليب التجاهل، وكل معالجاتنا تتسم بالبعد عن موقع الحقيقة. إذن يجب التأكيد على الفهم الاجتماعي، وخلاصته أن الراديكالية الإسلامية بحاجة الى إعادة تعريف، لكونها لا تمثل الظاهرة الدينية النقية والسامية، بل هي ظاهرة معقدة تلم كل الضائعين والتائهين على هذه الأرض، والدخول في ناديها لا يتطلب التدين أو أداء الصلوات الخمس، بقدر ما يحتاج إلى عقول شاردة ومتمردة ومحبة للانتقام من المجتمع والسلطة، ومن ثم فمن تتوافر فيه الشروط يجد موقعه في النادي الراديكالي الإسلامي.