ذكرت دراسة حديثة أن أطفال المدارس وأسرهم هم الأكثر عرضة لمرض أنفلونزا الخنازير (H1N1)، وطالبت الدراسة التي نشرتها مجلة "ساينز" العلمية يوم الخميس الماضي بإعطاء الأولوية في تحصين هذه الفئة العمرية ضد الفيروس. وذكرت الدراسة أن الطفل ناقل جيد للمرض. غير أن دراسة أخرى أشارت إلى أن الأطفال ليسوا متأثرين بشدة كما يخشى البعض، فقد ذكر فريق من الباحثين الفرنسيين الخميس الماضي أيضا أنه رغم تقارير سابقة أشارت إلى أن حالات أنفلونزا (H1N1) الوبائية لعام 2009 حدثت بشكل رئيسي بين الأطفال، إلا أن "العمر المعتاد والمتوسط لعدد 343 حالة قاتلة كان 37 عاما". وقبل هاتين الدراستين كانت منظمة الصحة العالمية قد حذرت من أن فئة الأطفال في سن المدرسة لا تزال هي الأكثر تأثرا بالفيروس المكتشف حديثا والذي ينتشر سريعا في المدارس ويكتسب قوة دفع في مختلف التجمعات السكانية، إلى جانب الأنفلونزا الموسمية. وفي نهاية يونيو الماضي أعلن في غرب ألمانيا عن إصابة ثلاثين تلميذاً في مدرسة يابانية بمدينة دوسلدورف بفيروس انفلونزا الخنازير، وتم إغلاق المدرسة لمدة أسبوع. وقبل هذه الحادثة بأسبوعين قررت مدينة نيويورك الأميركية إغلاق أكثر من 40 مدرسة في محاولة لإبطاء تفشى أنفلونزا (H1N1) في المدارس. وبلا شك أن إغلاق المدرسة وإبقاء الأطفال في منازلهم يمكن أن يقلل حدوث مزيد من العدوى. ونتيجة لهذه المعطيات نتساءل والعام الدراسي على الأبواب: ما هي الإجراءات التي اتخذتها وزارتا التربية والتعليم والصحة لمواجهة هذا الوباء في المدارس؟ الناس منقسمون إزاء هذا الوباء بين مرعوب منه وبين غير مكترث به، فهناك أولياء أمور خائفون من هذا الوباء لدرجة أنهم يفكرون في عدم إرسال أطفالهم إلى المدارس حتى لا يلتقطوا المرض من طفل آخر وبالتالي تنتقل العدوى إلى باقي أفراد الأسرة، وبين آخرين يرون أن هذا الوباء تم تضخيمه إعلاميا فلا هم مستعدون لهذا المرض ولا يعرفون عنه أي شيء، إنه وباء مجهول المخاطر. وفي هذا الموضوع يبدو أن التجربة النيويوركية تستحق الإطلاع، ففي هذه المدينة تم وضع خطة في نهاية مايو الماضي تعمل من خلالها وزارة الصحة مع وزارة التعليم سويا للمتابعة اليومية للأمراض المشابهة للأنفلونزا في مدارس المدينة... وتطالب هذه الخطة ممرضات المدارس بإبلاغ مدير المدرسة والاتصال بمكتب الحكم المحلي للصحة المدرسية إذا توجه خمسة أطفال أو أكثر إلى العيادة الطبية وكانوا يعانون من حمى تتطابق مواصفاتها مع التعريف المعياري لفوق (38 درجة مئوية) وتكون مصحوبة إما بسعال أو ألم في الحلق. وما أن يتم التأكد من المواصفات المعيارية، حتى تقوم وزارة الصحة بفحص يومي للأمراض المشابهة للأنفلونزا بين الطلبة الذين يتوجهون إلى العيادة الطبية، فضلا عن بيانات الغياب خلال الأسبوع السابق. وأي مدرسة بها مجموعة من الطلاب يعانون من أمراض مشابهة للأنفلونزا تتم متابعتها يوميا. ولا يعد ارتفاع نسبة الغياب في حد ذاته أساساً للإغلاق، فإذا أبقى أولياء الأمور أطفالهم المرضى في المنزل، فذلك يمكن أن يقلل من انتقال المرض للآخرين. وأولت السلطات الصحية في نيويورك اهتماماً شديداً للمدارس التي يتوجه أكثر من 2 بالمائة من طلابها إلى العيادة الطبية في يوم واحد وهم يعانون من الحمى والسعال أو التهاب الحلق. وهذا يشير إلى أن عدداً كبيراً من طلبة المدرسة مرضى خلال وجودهم في المدرسة وقد ينشرون العدوى إلى الآخرين. هذا نموذج لأسلوب التعامل مع الوباء حتى يطمئن أولياء الأمور على أن هناك اهتماما ومتابعة في المدارس لعدم انتشار المرض وخصوصا أننا مقبلون على فصل الشتاء وتحذيرات منظمة الصحة العالمية لم تتوقف، فقد طالبت مديرة المنظمة "مارغريت شان"، يوم الجمعة الماضي، الأسرة الدولية بالاستعداد لموجة ثانية محتملة من أنفلونزا الخنازير، محذرة من أن الحكومات ستواجه تحدي تأمين لقاحات لمكافحة هذا الفيروس. وقالت شان: "لا يمكننا معرفة ما إذا كان الأسوأ قد مر أو هو آت". قلق الأسر مبرر، خصوصاً إذا عرفنا أنه ليست هناك إجابة على مدى إدراك هيئات التدريس لطرق التعامل مع ظهور حالات في المدارس، ولا وجود آلية يقومون باتباعها في حال اكتشاف حالة أو حالات بين تلاميذها... أعتقد أنه بالإضافة إلى الجهود التي بذلتها وزارة الصحة لتثقيف المجتمع حول هذا الوباء خلال الأشهر الماضية، يجب أن يكون للوزارة دور أكبر في تثقيف وتوعية الأسر وهيئات التدريس بذلك، فالمدارس كانت دائما بيئة خصبة لانتقال الأمراض بين الأطفال. ومما يزيد القلق تسريبات ظهرت مؤخراً مفادها أن اللقاح الذي يفترض أن يكون جاهزاً للاستعمال في سبتمبر المقبل لن يوزع بطريقة عادلة على كل البلدان، وأن حصة البلدان العربية لن تكون كبيرة. لقد انتشر هذا الوباء على نطاق عالمي في أقل من شهرين وأصاب أشخاصاً في 160 دولة وتسبب في وفاة 800 شخص، ومنذ شهر تقريباً توقفت الولايات المتحدة عن إحصاء ضحايا أنفلونزا الخنازير بعد وفاة أكثر من 300 شخص جراء الوباء العالمي لهذا الفيروس. الخبراء في مجال الصحة يقولون إنه من المرجح إصابة ملايين الأشخاص بالمرض في أنحاء العالم، وإن الأطباء لا يمكنهم إجراء الفحوص سوى لجزء ضئيل من الحالات المشتبه بها، واختبارات الأنفلونزا باهظة الثمن ولا يمكن الاعتماد عليها كما أن تأكيد الإصابة بانفلونزا الخنازير (H1N1) أمر صعب. وما يدعو البعض للقلق هو أن تاريخ وباء الإنفلونزا مرعب، فقد تفشى ثلاث مرات في القرن العشرين في أعوام 1918 و1957 و1968. وعرفت بأسماء الأنفلونزا الإسبانية والآسيوية وأنفلونزا هونغ كونغ على التوالي. ويعتقد أن 50 مليون شخص لاقوا حتفهم عندما تفشى الوباء في المرة الأولى، ونحو مليونين في المرة الثانية، وما بين مليون وثلاثة ملايين في المرة الثالثة. كما أن ما فعله هذا الفيروس في 25 أسبوعا لم يفعله فيروس الإيدز إلا في 25 عاماً، فقد قتل فيروس الإيدز 25 مليوناً في غضون 25 عاماً، أما فيروس الأنفلونزا فقتل أكثر من 25 مليوناً، في 25 أسبوعاً في عام 1918. ولا يزال وباء عام 1918 هو الأعنف دون منازع، حتى أنه تعادل مع "الطاعون الأسود" في حجم الوفيات الناجمة، فيما وصف حينها بأنه "أعظم مأساة عرفها الطب في تاريخه". ويعزى السبب في الوفيات آنذاك إلى العدوى البكتيرية التي تلحق فيروس الأنفلونزا، مسببة التهاباً رئوياً حاداً. ولم يكن العالم آنذاك قد عرف البنسلين أو غيره من المضادات الحيوية. وكانت المحاولة الأولى للتحصين ضد الفيروس في عام 1944. أما ما يدعو إلى عدم المبالغة في القلق فهو التاريخ أيضا، فبالعودة إلى تاريخ هذا المرض يتضح أنه مع الأنفلونزا الإسبانية في العام 1918 كان الوباء شديدا جدا. تلا ذلك الأنفلونزا الآسيوية عام 1957 وكان وباؤها أقل شدة. وفي عام 1968 جاءت أنفلونزا هونج كونج وكان وباؤها معتدلا. وفي عام 1977 جاءت أنفلونزا روسيا وكان وباؤها طفيفاً، وهذا مؤشر على أن شدة الوباء تقل مرة أخرى حيث يستطيع الإنسان مواجهتها بشكل أفضل وبخسائر أقل، فعسى أن تكون أنفلونزا الخنازير ضعيفة جدا... وفي كل الحالات يجب أن تطبق وزارة الصحة مبدأ "الوقاية خير من العلاج".