اعتبر كثير من الإسلاميين في قطاع غزة أن ما قامت به حركة "حماس" من تصفية لحركة "أنصار جند الله"، معادل لما تقوم به الدول العلمانية تجاه الجماعات الإسلامية، وهناك من اعتبر هذه التصفية العسكرية كإشارة للدول الغربية وربما أيضاً السلطة الفلسطينية، بأن حركة "حماس" موجودة وأنها الوحيدة القادرة على ضبط الشارع الفلسطيني في غزة على إيقاع مفاهيمها الخاصة. وإذا ما أضفنا إلى ذلك إلزام حركة "حماس" للمحاميات الفلسطينيات في غزة بلبس الحجاب، وفرضها لمخيمات التحفيظ على الأطفال، فإنه يمكن القول وبدون أدنى شك إن "حماس" قد اقتربت من شبيهتها، "طالبان" أفغانستان، كما كتب الكاتب مشاري الذايدي مؤخراً. وحيث إن جماعة "أنصار جند الله" قد تولدت من رحم حركة "حماس"، فإنه ولاشك ستكون هناك جماعات إسلامية أخرى معارضة لما تقوم به حركة "حماس" من مفاوضات استسلامية، بزعمهم مع السلطة الفلسطينية، إضافة إلى توقف "حماس" عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل بعد أن "انتصرت"!! "حماس" على إسرائيل في الحرب الأخيرة العام الماضي. ومما يلاحظه المراقبون أن حركة "حماس" تسعى أولا وأخيراً لإقامة دولتها الإسلامية في غزة، وهو ما لن يتحقق أبداً، لأسباب عدة منها الحصار الإسرائيلي، وضعف الاقتصاد داخل غزة والخاضع لإسرائيل ولمصر من جهة معبر رفح، فضلا عن حقيقة أن "حماس" عاجزة حتى عن توفير خدمة الكهرباء، دع عنك الخدمات العامة الأخرى، بدون موافقة إسرائيلية. وكما كانت جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر المدخل الذي ولّد الحركات الإرهابية، ستكون "حماس" أيضاً المجال الخصب لاستنبات الجماعات الإسلامية المتطرفة التي لا تحسب للسياسة حساباً كما تفعل حركة "حماس"، مما يعني أنه على حركة "حماس" مواجهة هذه الجماعات المسلحة، ولا نستبعد حدوث تصفيات جسدية فيما بين "حماس" ومعارضيها من الجماعات المتطرفة. وفوق هذا كله، تعلم "حماس" أن العالم الأوروبي لن يسمح بقيام مثل هذه الدولة الإسلامية، وسيحاربها كما يحارب حركة "طالبان" الآن، وبالمقارنة بين "طالبان" و"حماس"، فإن القضاء على "حماس" أسهل من شربة الماء. ولولا المساندة المالية الإيرانية والمساندة السياسية السورية لما تمكنت "حماس" من البقاء إلى الآن. لقد أعمت شهوة السلطة حركة "حماس"، فاندفعت بدون عقلانية لاحتلال غزة وفرض مفاهيمها بالقوة على سكان القطاع، كما فعل "حزب الله" بالجنوب اللبناني. وكل ذلك بسبب غياب السلطة الفلسطينية في القطاع، وغياب الدولة اللبنانية في الجنوب. وإذا كان "حزب الله" قد وجد المساندة الشعبية من سكان الجنوب، فإن "حماس" عاجزة إلى اليوم عن فرض تقبل الناس لها، ولذلك لا تجرؤ على إجراء أي استفتاء نزيه وحر بإشراف الأمم المتحدة في غزة. وكما قامت "حماس" بتصفية من تسميهم عملاء إسرائيل في الداخل بدون محاكمات عادلة تتوفر فيها فرصة الدفاع للمتهمين، ستقوم "حماس" أيضاً بتصفية كل من سيحاول معارضتها من الجماعات الإسلامية المتشددة دينياً، كما حصل مع "أنصار جند الله". ويمكن القول إن السرعة والطابع الدموي لتصفية هذه الحركة على يد مسلحي حركة "حماس"، يعطيان إشارة واضحة لكل من ستسوّل له نفسه القيام بنفس الأمر، مما يعني تنامي المعارضة لحركة "حماس" في المستقبل. فدماء جماعة "أنصار جند الله" لن تذهب هدراً عند أتباعها. ولذلك سيشهد أهالي غزة ليلا طويلا من الصراعات العسكرية الجديدة، والتي ستؤدي بالمجتمع إلى المزيد من الانقسام وعدم الاستقرار. إن حركة "حماس" مثل بقية الحركات الإسلامية، لم تتعلم بعد الدرس التاريخي القاضي بفشل قيام أي دولة إسلامية على غرار دولة "طالبان" في أفغانستان أو السودان أو إيران.