ماذا بعد حريق الجهراء من أسئلة؟ لا تنحصر القضية في كونها حادثة قتل بالجملة، أو غيرة نسائية فاقت كل حدود الوصف، أو حتى شغب نسائي كان يهمه زرع نار الغضب والتوجس. كل ما يشترك فيه أبطال الكارثة أنهم من فئة "البدون"، وأن الزوج -محل النزاع- قد حصل على الجنسية قبل وقوع الحادثة بأشهر فقط... وهو ما ألح عليه كاتب كويتي ضمن من يستحقوا الجنسية. للكويت ظروفها الجغرافية التي أوجدت ظاهرة من هذا النوع، ولها سياستها في التعامل مع الظاهرة التي تزداد بروزاً كل يوم. أما هنا في الإمارات، فهذه ظاهرة حديثة لا يزيد عمرها عن عشرين عاماً أو أقل، ولعل أغلبية المشمولين بها هم ممن تخلصوا من أوراقهم الثبوتية مع سبق الإصرار، ليحصلوا على امتيازات المواطنة في الدولة، ولو بعد حين. وبالطبع فإن لهذه المشكلة وجهها الإنساني الصرف، والذي ملخصه أن ثمة بشرا يعيشون بلا أمل في الحياة، ولكن من هو السبب في مثل هذه الأزمة؟! إذا كان الجانب الإنساني يلح علينا بضرورة استيعاب أزمات هذه الفئة، فإن هذه النظرة يجب ألا تعمم على جميع أفرادها، إذ هناك أسر تستحق بالفعل أن تكون ذات أحقية بالجنسية، كونها علمت أبناءها، وساهمت بإشراكهم في المجتمع كأفراد ملتزمين ذوي سير مستقيمة وجادة. وفي المقابل هناك من تطفو حياتهم بالمشاكل والانحرافات، ممن يعلمون حق العلم أنهم أتلفوا أوراقهم دون أن يبذلوا أدنى جهد في تطوير إمكاناتهم العلمية على أقل تقدير. هذا البعد الاجتماعي يجب أن لا يغيب عن ذهن صاحب القرار في دول التعاون الخليجي وهو يعالج مشكلة البدون، فحريق كالذي حدث في منطقة الجهراء، لم يأت من فراغ أو لمجرد الغيرة، بل هو جزء من تراكمات الإحباط والفشل والانتظار والتفكك الأسري... وإلا فكيف يحصل ذلك مع صاحب أسرة جديدة بعد حصوله على الجنسية أخيراً وبعد طول انتظار؟ من هنا كان الأمر ولا زال مصدر حيرة وقلق لكل الأطراف على حد سواء، فوضع معايير الحصول على الجنسية يحرص من خلالها أهل الشأن على زرع نبات يستحق الحياة بشرف ويتجرد من أي معوقات صعبة أو لا إنسانية. ولعل ما أعقب الإعلان الأخير الذي صدر من جهة حكومية بخصوص استكمال طلبات التجنيس، كشف وجود مطامع لدى كثيرين إزاء مجتمعات الخليج، فقد بعث بعض الأشخاص من المتواجدين خارج الدولة، وخارج نطاق الخليج كله، بأوراقهم طلباً للتجنيس، وكأن الأمر مشاع لدرجة تتيح لكل من لا يجد مأوى أن يأخذ فرصته. نيران البدون لا يبدو أنها ستخمد بدون ضحايا، أو بدون توفر دراسة كافية حول كل أسرة منهم، وحول حقيقة قيام بعضهم بإتلاف أوراقه الثبوتية. فالبدون قضية تقض مضاجع الأمان في الخليج وتأجيلها يوفر فرصة لتكاثر العلل وتراكمها، ناهيك عن كونها مشكلة مركبة وذات أبعاد متشعبة. والقارئ لأحوال الجريمة في المجتمع، يجد أنها تتكاثر في أوساطهم الفقيرة والعاطلة عن العمل والمغيبة عن مجالات التعليم حتى المحدودة منها. فالفكر العملي، والذي لابد أن يضع حداً لما بقي من أزمة البدون، يحتم إنهاء هذه الظاهرة، والعمل على الحد منها، فأرقام البدون تتزايد، بل وتكشف أن هناك أشخاصا حديثي القدوم للدولة لكنهم يدعون أنهم من فئة البدون. فكم سيطول الانتظار بعديمي الهوية؟ وكم من الضحايا ستأتي بهم الأيام قبل أن تحل مشكلة البدون؟ وإلى أي مدى يتسم حُكمنا عليهم بالإنصاف والشرعية؟ وكم هو متجن على أجيال قادمة ستفقد فرصها وحقوقها لأن هناك من سرق حقها الأصيل؟