إعلان وزارة الشؤون الاجتماعية، مؤخراً، وجود خطة لدمج المعوّقين بصرياً في المدارس الحكومية نهاية العام الجاري توجّه اجتماعي مهمّ، ليس لأنه يعكس سياسة الدولة في الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير أفضل سبل الرعاية لهم، ولكنه أيضاً يؤكد حرص الدولة على تعليم هذه الفئة، وإكسابها المعرفة اللازمة، لتنمية طاقاتها إلى أقصى حدٍّ ممكن، وذلك لدمجها في المجتمع، باعتبارها شريكاً أساسياً وفاعلا فيه أيضاً. أهم ما يميّز تجربة الإمارات في دمج المعوقين في المدارس الحكومية والخاصة أنها تأخذ في الاعتبار الظروف المحيطة بهذه الفئة كافة، وتسعى إلى تلبية احتياجاتها حتى تكون قادرة على التكيّف مع أقرانها من الطلاب، فمثلا نفذت وزارة التربية والتعليم مجموعة من البرامج التي سبقت التحاق الطلاب المعوقين بصرياً فعلياً بالمدارس، وكذلك الحال بالنسبة إلى ذوي الإعاقة السمعية، حيث باشرت في تطبيق الأسلوب السمعيّ الشفهيّ لتهيئة المعوقين سمعياً قبل دمجهم في المدارس، فضلا عن ذلك فقد تم إنشاء قسم للبرامج التعليمية الخاصة لهذه الفئة في إدارة التربية الخاصة، بهدف دعم الاحتياجات التعليمية للطلبة المعوقين؛ والهدف من ذلك كلّه هو توفير مناخ دراسي طبيعي لهم. لا شكّ في أن إكساب المعوقين هذه المهارات والخبرات ينطوي على مردود مجتمعي مهم، يتمثل في تنمية الكفاءة الاجتماعية لديهم، بغرس السلوكيات الطيّبة للتفاعل، وبناء علاقات مع الآخرين، وتحقيق التوافق الاجتماعي والاندماج في المجتمع؛ ما يمنحهم شعوراً بالاحترام والتقدير والمودة والتفاهم والثقة بالنفس، ويقلّل من إحساسهم بالعزلة والعجز. وهذا لا شكّ في أنه يعكس سياسة الدولة في الانتقال بمفهوم الرعاية الاجتماعية من الإطار التقليديّ إلى طابع جديد يكفل التطلعات المتزايدة لحاجات الأفراد، ولاسيما فئة المعوقين، الذي من أهم عناصره إفساح المجال لهؤلاء للمشاركة الإيجابيّة في مختلف قطاعات المجتمع، باعتبارهم شركاء أساسيين وفاعلين في نهضة المجتمع وتطوّره. وترتكز الرعاية المقدّمة من قبل الدولة إلى فئة المعوقين على قواعد واضحة، ويجسد أحد أبعادها القانون الاتحادي رقم (29) لسنة 2006 في شأن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، الذي أسهم في وضع استراتيجيّات بديلة للتعلم، وبيئة مادية ميسرة، وغير ذلك من الوسائل اللازمة لكفالة المشاركة التامة للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن الصفوف النظامية. وقد تعزّز هذا التوجه في ظل الأهداف الاستراتيجية للحكومة الاتحادية، التي ترجمت عملياً في أحد جوانبها المقصودة في هذا الصدد في شكل مبادرات تطوير برامج الأشخاص ذوي الإعاقة، وصيانة حقوقهم، ليغدوا فئة منتجة ومندمجة في النسيج الاجتماعي، فشرعت لهم منافذ العمل والتعلّم، وأنشأت مؤسسات خاصة لرعايتهم، سواء تعلق الأمر بالجانب الصحي والتأهيل، أو الجانب الاجتماعي الذي تمثل في وجود مراكز مختصة تُقدم فيها مختلف برامج التأهيل الصحي والتربوي والاجتماعي، ما جعل إنجازات كبيرة تتحقّق لهذه الفئة، وجعل الإمارات محل إشادة وتقدير من المنظمات الدولية المتخصصة. وبقدر الرعاية التي تحققت لهؤلاء المعوقين في مختلف المجالات، فإنهم كانوا في المقابل على قدر المسؤولية، وأثبتوا أن إعاقتهم مهما بلغت، فإنها لم تقف عثرة أمام مشاركتهم الفعّالة في تحقيق التنمية الوطنية، وليس أدل على ذلك من تكريم الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بعثة منتخب الإمارات للمعوقين لما حققه من إنجاز في بطولة العالم للشباب لألعاب القوى التي أقيمت في مدينة "نوتويل" السويسرية في شهر يوليو الماضي، وإشادة سموه بالإنجاز المهمّ الذي حققوه، بقوله: "إن رياضة المعوقين تحولت في بلادنا من رياضة تأهيلية تسهم في اندماج المعوقين مع بقية أبناء المجتمع إلى رياضة إنجاز تبحث عن التفوّق في المنافسات كلها التي تشارك فيها على جميع المستويات". عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية