بينما اهتم العالم بمتابعة الانتخابات التي جرت في أفغانستان الخميس الماضي، ستتجه أنظار الأميركيين لتعلم دروس وعبر انتخابات شبيهة جرت في فيتنام. فما أكثر جوانب الشبه بين انتخابات البلدين، مع فارق الزمان والمكان. فقد عقدت جمهورية فيتنام الجنوبية انتخاباتها في فترة التدخل الأميركي، على رغم استمرار نمو حركة التمرد هناك. ومما لا شك فيه أن التمرد كان حدثاً سلبياً صاحبَ الانتخابات، ولكن الأشد دماراً لتلك التجربة هو أنه لم يسبق لفيتنام الجنوبية أن تولت مقاليد الحكم فيها حكومة نظرت إليها الأغلبية الشعبية على أنها حكومة شرعية. ويتفق الخبراء على أنه، ومتى ما تمتعت حكومة بلد ما بالاعتراف بشرعيتها بموافقة نسبة تتراوح بين 85 و90 في المئة من أغلبيتها الشعبية، فإن ذلك يُعد مؤشراً على فشل أي تمرد قد يقع ضدها مهما كان. غير أنه لم يحدث لأي حكومة في فيتنام الجنوبية أن حُظيت بدرجات شرعية عالية مثل تلك. وللأسف، فإن الحقيقة نفسها تنطبق على أفغانستان ما بعد حرب عام 2001. ويزداد الشبه أكثر بين سايجون وكابول، حين يتعلق الأمر بعدم فاعلية الحكومة وتفشي ممارسات الفساد الحكومي بصفة خاصة. يذكر أن \"ماكس فيبر\"، أحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث، أشار إلى أن الحكومات تكتسب شرعيتها من ثلاثة مصادر أساسية هي: المصادر التقليدية والدينية والقانونية. وبينما لا يحتاج المصدران الأولان لأي شرح أو توضيح، نجد أن \"فيبر\" قصد بالمصدر القانوني أو الحقوقي القول إن أنماط نظم الحكم الديمقراطية الغربية عادة ما تقوم على التمثيل الشعبي وسيادة القانون. وبهذا المعنى، فإنه يلزم القول إن وصفة الفشل السياسي في أفغانستان كانت قد طبخت منذ انعقاد مؤتمر \"بون\" المخصص لعملية التحول السلمي الديمقراطي في أفغانستان عام 2001. ففي اندفاعها وتسرعها لكتابة قصة نجاح خاطفة في أفغانستان، بتحويلها بين عشية وضحاها إلى دولة ديمقراطية مسالمة، تجاهلت إدارة بوش تاريخ أفغانستان وتعقيد تركيبتها السكانية. والغريب أن \"عملية بون\"، كان قد قصد فيها تجاوز التاريخ الأفغاني. وكانت تلك كارثة بالطبع إذا ما علمنا أن تاريخ أفغانستان هو الذي يحكم في نهاية الأمر على مدى شرعية نظام الحكم فيها أو خلافه، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار بمصدري شرعية نظام الحكم الأولين لدى ماكس فيبر: التقاليد التي يرمز إليها في أفغانستان التركيب الأبوي القبلي للمجتمع واعتماده على نظام الأقلية الحاكمة، ثم تأثير العامل الديني على ولاءات المواطنين وانتماءاتهم السياسية. وحسب التاريخ الأفغاني، فلطالما فرضت شرعية نظام الحكم فرضاً بوسائل لا صلة لها بالممارسة الديمقراطية. وعليه، فلطالما اتسمت شرعية نظام الحكم المعين هناك بالقهر. فمثلاً لم يكتسب حكم الأمير عبدالرحمن -الملقب بالأمير الحديدي- بين عامي 1880 و1891، ثم نظام حكم \"طالبان\" (1996-2001)، شرعيتهما إلا اعتماداً على المصادر المتعارف عليها في مثل هذه المجتمعات، سواء أكانت دينية أم عائلية. غير أنه لتنفيذ هذه الشرعية لزم اللجوء إلى وسائل القمع القهري الشمولي. ويشير هذان المثالان إلى وجوب تفادي الخلط بين الشرعية والشعبية. فأن يتمتع الحاكم بشرعية الحكم، لا يستلزم بالضرورة أن يحظى بتأييد شعبي واسع من قبل المواطنين، أو أن يكون محبوباً بينهم. وعلى سبيل المثال، يمكن وصف الرؤساء الأميركيين بأنهم قادة شرعيون، لكن دون أن يعني ذلك تمتعهم بدعم أغلبية الشعب أو كونهم محبوبين لديها. وتمثل هذه الحقائق التاريخية الخاصة بأفغانستان، معضلة كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية. ذلك أن الديمقراطية الأميركية ليست وصفة سحرية يمكن تطبيقها بين عشية وضحاها في أي بلد كان. ففي مجتمع لا تزال النساء يعاملن فيه كما لو كن امتداداً طبيعياً لملكية الذكور، وترتفع فيه معدلات الأمية إلى ما يتجاوز الـ90 في المئة في المناطق الريفية، ليس من السهل تجاوز تاريخ من مئات السنين هناك، لتتحول أفغانستان فجأة إلى نظام ديمقراطي مستقر، خلال عقد واحد من الزمان. يشار إلى أن حكومة كابول الحالية تزعم لنفسها شرعية مستمدة من الانتخابات، وهي مصدر واحد من مصادر الشرعية الثلاث التي تحدث عنها ماكس فيبر. ولكن على هذه الحكومة أن تدرك أن مجرد الفوز بالانتخابات لا يمنحها كامل الشرعية التي تحتاجها. والسبب هو قصور الفوز بالانتخابات عن الأساس التاريخي لشرعية الحكم في أفغانستان. بل على العكس تماماً، ربما يُنظر إلى الحكومة المنتخبة ديمقراطياً على أنها حكومة غير شرعية لمجرد أنها انتخبت لا أكثر! وفي هذا الصدد، ينبغي القول إن الولايات المتحدة ارتكبت خطأً تاريخياً في اجتماع \"اللوياجيركا\"، الذي عقد في عام 2002، بتدخلها وعملها في الخفاء ضد إجماع كافة المشاركين في ذلك الاجتماع على تنصيب الملك ظاهر شاه رأساً مؤقتاً للحكومة الأفغانية. فبدلاً من دعم ذلك الإجماع الشعبي، تدخلت واشنطن، بالرشاوى تارة وبعقد الصفقات السرية تارة أخرى وبالضغط ولي الأذرع تارة ثالثة، حتى كان الفوز بالمنصب الرئاسي لصالح حليفها حامد كرزاي. واليوم، مثلما حدث في فيتنام الجنوبية من قبل، فإنه ليس متوقعاً للحكومة المنتخبة في كابول أن تبسط شرعيتها بعيداً خارج نطاق العاصمة. وبدلاً من إضاعة الوقت والجهد في محاولات تمديد نفوذ الحكومة المركزية المنتخبة، فإن على واشنطن وحلفائها العمل على دعم السلطات المحلية الشرعية، بما يساعد على إنشاء نظام حكم أقل مركزية في أفغانستان. وبذلك تحقق واشنطن وحلفاؤها مكاسب سياسية أكبر، وتستطيع مكافحة تمرد \"طالبان\" بمستوى أفضل مما تفعل الآن. توماس إتش. جونسون أستاذ البحوث بمدرسة الدراسات العليا البحرية في مونتري بكاليفورنيا إم. كريس ماسون زميل رئيسي بمركز الدراسات الدفاعية المتقدمة - واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\"