تحديات ما بعد الانتخابات في أفغانستان... وتصعيد متوقع بين باريس وطهران التجاذب الفرنسي- الإيراني على قضية "كلوتيلد ريس"، وتحديات ما بعد الانتخابات الأفغانية، وتلاشي الجهد الدولي في مجال استكشاف الفضاء، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية. طهران وباريس... وقضية "كلوتيلد": في صحيفة لوفيغارو كتب بيير روسلين افتتاحية خصصها للحديث عن خلفيات وأبعاد الحرية المشروطة التي نالتها المعتقلة الفرنسية في طهران كلوتيلد ريس، والتي دُفعت لقاءها كفالة بـ300 ألف دولار مقابل السماح لها بالخروج من السجن والإقامة في مقر السفارة الفرنسية. ويرى الكاتب أن هذه القضية عادت بآثار عكسية على النظام الإيراني، ففي حين سعى من خلال احتجاز تلك الجامعية الفرنسية الشابة لتأكيد وجود مؤامرة أجنبية غربية ضده، فإن شيئاً جدياً لم يمكن إثباته ضدها مع ذلك. ولذا إن كانت المحاكمة تكشفت عن مكاسب فليست إلا من ذلك النوع الذي يوجه عادة للاستهلاك السياسي الداخلي. ويرى روسلين أن الأولوية الآن بالنسبة للطرف الفرنسي هي مصير "كلوتيلد"، فمع أنها في أيدٍ أمينة بمقر السفارة، إلا أن من المأمول أن يكون في مقدورها العودة إلى فرنسا. وفي هذه القضية تمكن الملالي من حفظ ماء وجههم، يقول الكاتب. وليكنْ. ولكن بشرط ألا يبقى مصير تلك الفتاة معلقاً، وتحت رحمة تدابير وإجراءات إيرانية لا أحد يعرف اتجاهها، ولا مآلها. بل إن التجاذب حولها يمكن أن يفتح الأبواب أمام الابتزاز بكل أشكاله وألوانه. على أن عقارب الساعة قد تلعب هنا كورقة ضغط ضد باريس خاصة، على اعتبار أن موعد انعقاد قمة مجموعة الثماني، في 20 سبتمبر المقبل، ينبغي أن يكون هو نهاية المهلة الممنوحة لإيران لكي ترد على فرص التفاوض المعروضة عليها. كما أن الرئيس أوباما لن يمدد سياسة اليد المبسوطة التي انتهجها إلى حد الآن حيال طهران. ومن ثم يمكن توقع أن توضع على الطاولة في مجلس الأمن الدولي قريباً عقوبات أقوى وأشد، بحق إيران. ولذا لا ينبغي استبعاد أن يسعى النظام لتوظيف مختلف أوراق الضغط، واستعمال كل وسائل ليِّ الأذرع الممكنة، ضد العواصم الغربية لثنيها عن تصليب مواقفها، أو للتأثير على مدى صرامتها وتصميمها. وأخيراً نبه الكاتب إلى أن الظرف الدولي الراهن، أصبحت فيه الحدود بين القضايا والمآلات الشخصية والشؤون الدولية غير واضحة بالقدر الكافي. ولذلك ظهر الآن ما يمكن تسميته بـ"دبلوماسية الإنقاذ"، حيث تتدخل اليوم أطراف عربية وأوروبية بنشاط لتسهيل إطلاق سراح "كلوتيلد"، مثلما ألقى الأميركيون بثقلهم لتحرير مواطنيهم في كوريا الشمالية وبورما، وتدخلت روسيا بقوة في موضوع سفينتها التي اختطفت في المحيط الأطلسي، وكلها أدلة ونماذج تؤكد أن الحالات الفردية يمكن أن تكون رافعة لقضايا دولية عامة. أفغانستان... انتخابات وتحديات: اكتسحت الانتخابات الرئاسية الأفغانية اهتمام كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية، لجهة دلالتها على أهمية التحول السياسي الحاصل في ذلك البلد من جهة، ولأهمية ما ستتكشف عنه بالنسبة للقوى الغربية المرتبطة بالتزامات هناك ومن ضمنها فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية من جهة أخرى. صحيفة لوموند اعتبرت في افتتاحية لها أن ما يقع عليه الرهان في محصلة الرئاسيات الأفغانية يهم العالم أجمع، وخاصة منه الديمقراطيات الغربية. ووصفت الصحيفة الاستحقاق الانتخابي الأفغاني بأنه جرى وسط مخاطر استثنائية بالنظر إلى تنامي نشاط حركة "طالبان" والتهديدات التي أطلقتها مؤخراً بهدف إعاقة سريان الحملة الانتخابية ومن ثم عرقلة الانتخابات. غير أن الأفغان العاديين أثبتوا قدرتهم على تحدي القوى المتطرفة، حيث جرت الانتخابات في موعدها، ولم يسجل فيها من أعمال العنف سوى القليل. وفي الأخير اعتبرت لوموند أن تحديات ما بعد الانتخابات الآن يأتي على رأسها تكريس حكم رشيد، قادر على احتواء التطرف، ومكافحة تجار الأفيون، وقبل كل شيء فوق الشبهات فيما يتعلق بالفساد وإساءة استخدام السلطة. هذا إضافة إلى إمكانية مراجعة السياسات المتبعة، بما في ذلك التفكير في كل المخارج الممكنة من الأزمة الأفغانية. وفي افتتاحية ثانية كتبها لوران جوفرين في صحيفة ليبراسيون انتقد بعض الدعوات التي تتردد في العواصم الغربية للانسحاب من أفغانستان وتركها تواجه مصيرها، مؤكداً أن أي فتور في عزيمة الغرب، بهذه الكيفية، من شأنه أن يوجه رسالة في غاية السلبية عن وهن إرادة العالم الحر، وعدم رغبته في الدفاع عن قيم الحرية، التي قال أصلاً إنه حضر إلى أفغانستان للدفاع عنها. وسيقدم ذلك دعاية مجانية لكل ما في العالم من قوى التطرف والتشدد. ومن جانبه قلل "برينو أودنت" في افتتاحية بصحيفة لومانيتيه من حجم المنجز الغربي حتى الآن في بلاد الأفغان مشيراً إلى أن عناصر "طالبان" تمكنوا خلال الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الأخير من لفت الانتباه إلى حركتهم ووضعها تحت دائرة الضوء مرة أخرى. وهو ما يعنى أن الرهان الأميركي والغربي ما زال بعيداً عن التحقق، حتى الآن. وداعاً للمريخ: تحت هذا العنوان جاءت افتتاحية صحيفة لوموند ليوم أمس، وفيها تحدثت عن تراجع حلم استكشاف الفضاء من واقع توجهات الإدارة الأميركية الحالية. فمقارنة مع الرئيس الأميركي الأسبق كينيدي مطلع ستينيات القرن الماضي الذي رفع قفاز التحدي في وجه السوفييت، معلناً أن بلاده ستعمل على إنزال إنسان على سطح القمر قبل نهاية ذلك العقد، وهو الوعد الذي تحقق يوم 21 يوليو 1969 بهبوط الإنسان على القمر، وبعد وعود الرئيسين بوش الأب والابن باستكشاف المريخ، تجنح إدارة الرئيس الحالي أوباما للاشتباك مع أولويات علمية مثل مواجهة تحديات الاحتباس الحراري العالمي، ودراسة الزلازل والبراكين وغيرها من الظواهر الكونية المرتبطة بكوكبنا الأرضي، هذا إضافة إلى ميل متنامٍ في المراكز الكبرى المعنية باستكشاف الفضاء لإيكال هذه المهمة للآلات والروبوتات، من بعيد. هذا زيادة على الواقع الاقتصادي الذي فرضته الأزمة المالية الراهنة على مخططي البرامج الفضائية الأميركية، وذلك وضعاً في الاعتبار لما تكلفه من مليارات وأموال طائلة. وتنتهي لوموند إلى أن انتهاء صراع القطبين العالميين خلال عقد التسعينيات، من القرن الماضي، كان له أثر سلبي على روح التنافس في مجال استكشاف الفضاء، ليحل محل ذلك نوع من التعاون بين القوى الفضائية الدولية هو ما عبر عنه الطابع المشترك للمحطة الفضائية الدولية، فيما بعد. ولكن على رغم التآكل الحالي في الجهد الفضائي، فليس من الوارد القول إن الحلم الإنساني باستكشاف الفضاء قد أدرك نهايته. ذلك أنه حلم قديم ومفتوح. وهذا الحلم الجامح هو ما عبر عنه العالم الروسي قسطنطين تسيولكوفسكي، مع مطلع القرن العشرين، حين قال "إن الأرض هي مهد الإنسانية، ولكن لا أحد يبقى إلى الأبد في المهد". إعداد: حسن ولد المختار