أحدث "تراجع الإسلاميين" في انتخابات 2009/5/17 الكويتية، ردود فعل قوية داخل صفوف هذه الجماعات! وتحدث العديد من كُتاب "الإخوان" والسلف عن أبعاد الخسارة السياسية ومدلولاتها، محاولين استخلاص بعض الدروس من التجربة، ورصّ الصفوف للانتخابات القادمة.. فماذا قالوا؟ "هناك من يريد القضاء على جميع مظاهر الصحوة في الكويت"، كتب الداعية الإعلامي نبيل العوضي يقول. وكما تساءل العوضي عن تأثيرات هذه الخسائر الانتخابية في "قادة العمل الإسلامي"، تساءل عبداللطيف العتيقي: لماذا تغير موقف "الجماهير الكويتية الحاشدة" من الإسلاميين؟ وانتقد تلون بعض الإسلاميين وتحولهم، مثل "الإخوان" أو "حدس"، الذين صارت برامجهم السياسية وواقعهم "يشبه إلى حد ما في نكهتها حركة الليبراليين اللادينيين". وطالب العتيقي الإسلاميين بالثبات على "مبادئهم الشرعية"، حتى لو خسروا جميع الأصوات. وقال: "إن التصويت للمرأة حرام شرعاً"، وأضاف أن "فوز المرشحات الأربع بعضوية مجلس الأمة إنما كان بدعم قوي جداً من الحكومة". (القبس 2009/5/22). وعزا الكاتب "مشعل النامي" إخفاق التيار الديني إلى عدة أسباب من بينها التحالف وعدم التعاون، كما كان يحصل سابقاً، ومنها ضعف الجانب الإعلامي. فحركة "حدس" والتجمع السلفي "لا يملكان أي قناة تلفزيونية، ولا يملكان سوى صحيفتين إحداهما يومية والأخرى أسبوعية، وليس لهما أي تأثير على الشارع". وهذه النقطة أو الملاحظة الأخيرة بالغة الأهمية، فكيف لا تؤثر صحيفة يومية وأخرى أسبوعية في الشارع الكويتي، على رغم صدورهما عن أقوى الجماعات الإسلامية؟ غير أن ملاحظته ربما تكون صحيحة، ولولا استغلال الإسلاميين للصحافة اليومية غير المرتبطة بالجماعات الإسلامية، لفقد الإسلاميون الكثير من قدرتهم على إيصال صوتهم للناس! ومما يدل دلالة واضحة على انتهازية الإسلاميين، أنهم لا يسمحون لغير أتباعهم بالكتابة في صحفهم العقدية، وهذا ملاحظ في العديد من الدول العربية والإسلامية، بينما يكتب دعاتهم ومُنظِّروهم في كل الصحف "الليبرالية العلمانية اللادينية"! ويشير "مشعل النامي" إلى نقطة ثالثة بين أسباب إخفاق الإسلاميين الكويتيين، وهي "زج التيارات الإسلامية بالكثير من الوجوه الجديدة"، التي كان معظمها ما بين من يخوض الانتخابات للمرة الأولى، ومن لم ينجح إلا مرة واحدة في المجلس الماضي الذي لم يعمر طويلاً. (السياسة 200/6/11). ويرى الكاتب "حمدي المري" أن سبب خسارة "حدس"، هو انكشاف أمرهم أمام الشعب الكويتي، لكونهم مجرد حزب سياسي ديني، "يسعى لمصلحة الحزب وليس لمصلحة الشعب والدولة". وكتب خالد ساير العتيبي، معزياً نفسه وبقية أتباع جماعته الدينية يقول: بصفتي "حدسياً"، فأنا أعبِّر عن حزني العميق عن الخسارة التي منيت بها الحركة الدستورية الإسلامية "حدس"، وتلك الخسارة لا تعني النهاية". وأخذ العتيبي على "حدس" وقوفها التعبوي الواسع مع حركة "حماس"، وأخذ عليها خطابها النخبوي الذي يحتاج إلى التبسيط والتنويع للتواصل مع شريحة الشباب، إذ "لم تفلح الحركة في استقطاب الشباب ولم تستثمر نجاحها على المستوى الطلابي في الجامعة". (الوطن 2009/5/24). ووجه كاتب بارز من أعضاء "حدس"، وهو عادل القصّار النقد إلى الحركة لتكرار السماح لمرشحيها "بالمشاركة في الانتخابات الفرعية المخالفة للقانون"، وأضاف: "لسنا فرحين بنجاح الأخ الكريم خضير العنزي في فرعية الجهراء ضمن أربعة مرشحين اختارتهم قبيلة عنزة. هذا الفرز القبلي المُجرَّم قانوناً، والقبول بنتائجه لضمان مقعد في البرلمان يعني تنازلاً عن القيم والمبادئ الدستورية التي عودتنا (حدس)" أن يكون لها في كل مناسبة صوت مسموع لتكريس القانون واحترامه". (القبس 2009/4/12). وبعد مرور شهر من نشر هذا المقال، كتب يقول، "إن جزءاً كبيراً من النتائج غير المرضية التي خرجت بها (حدس) من الانتخابات جاء نتيجة الموقف المعارض والواضح الذي اتخذته ضد الحكومة نتيجة تعثرها في تنفيذ مشاريع التنمية الخاصة بأهم مورد تعتمد عليه الكويت، وهو النفط". ورأى "مرزوق الحربي" في النتائج الانتخابية المخيبة لآمال "حدس"، فرصة لتعميق صلاتها بقواعدها في جميع دوائر الكويت، والتأثير في الشارع السياسي "من خلال الديوانيات والمهرجانات والمنتديات" (الوطن 2009/5/30). ومن أبرز المقالات التي نشرها مناصرو "حدس" في مجال النقد الذاتي، مقال "د. خالد القحص"، الوطن 2009/5/27، وقال فيه: "أنا أؤمن بأن أولى خطوات إصلاح البيت الحدسي هو تقديم استقالة جماعية لأعضاء المكتب السياسي. ثانية هذه الملاحظات هي مراجعة شاملة وتقويمية للأداء الإعلامي لحدس". وطالب د. القحص الحركة بـ"الانفتاح على الجميع"، كي لا تعطي الحركة انطباعاً للناس "بأن لدينا شيئاً نخفيه". ولهذا، دعا صراحة إلى "فك الارتباط الفكري والتنظيمي لـ(حدس) مع جمعية الإصلاح الاجتماعي"، بحيث تصبح "حدس" حركة سياسية شعبية محافظة تستوعب جميع شرائح المجتمع الكويتي، دون أن يكون الراغب في العمل من "شباب الحركة" أو من "شباب جمعية الإصلاح". وانتقد "القحص" بدوره اندفاع "حدس" السياسي نحو حركة "حماس"، إذ إن "على (حدس) أن تعي أنها حركة سياسية شعبية محلية، وبالتالي فيجب أن تعرف جيداً وبذكاء كيف تتفاعل بتوازن وعقلانية مع القضايا القومية والإسلامية، فلا تندفع بشكل يخرجها من لبوسها الشعبي المحلي". وضرب د. القحص على وتر التنافس الحاد بين "حدس" أو "الإخوان"، وهي الأكثر ارتباطاً بالمناطق الداخلية "الحضرية"، والحركة السلفية ذات النشاط المعروف في الأوساط القبلية، فقال: "وأنا أدعو كذلك (حدس) إلى تبني خطاب ذي طبيعة تصالحية مع القبيلة، فرصيد (حدس) القبلي قد نفد أو يكاد، وعليها بالتالي أن تدرك جيداً أن واقع المناطق الخارجية ذات الكثافة القبلية مختلف نوعاً ما عن واقع المناطق الداخلية". وفي هذا المقال ناقض د. القحص نفسه بعض الشيء مقارنة بمقال سابق نشر قبل أسبوع من هذا المقال، كان أشد تمسكاً بالطابع الحزبي الصريح لـ"حدس". كتاب آخرون انتقدوا "حدس" من خارجها، وليد الغانم كتب في "القبس"، وقال إنك لا تكاد "تُفرِّق بينهم وبين غيرهم من الناس، ممن لا مبدأ لهم ولا خُلُق، فتجدهم يفترون الإشاعات ويمارسون التضليل، ويكذبون أحياناً على الناخبين، وعلامة هؤلاء أن تجدهم مستميتين على الكرسي النيابي بأي ثمن، فمثل هؤلاء كيف يأمنهم الناس على تمثيل القضايا الشرعية والمطالبة بمصالح الأمة؟!"، د. حمود الحطاب، أحد الذين عايشوا جماعات الإسلام السياسي عن قرب ومن الداخل، كتب عن أسباب تقهقر الإسلاميين، (السياسة، 2009/5/24)، خاصة "الإخوان" أو "حدس"، قائلاً: "إنهم لم يلتزموا الإسلام حقاً في سلوكيات وجودهم في المجلس، وهذا ببساطة كان واضحاً للعيان. عدد من أفراد التجمع -الحدسي- هذا، دخل المجلس حافياً، وخرج بنعل من ذهب ويواقيت، وفاحت رائحة المجمعات التجارية المفاجئة في المناطق الخارجة عن السور، وأما ملكيتها فكانت بأسماء الأقارب والإخوان.. وبعضهم كسب أسواقاً شعبية تجارية سماها بأسماء دول ليست إسلامية على الإطلاق.. وبعضهم تعامل بروح النعرة القبلية، أو العنصرية الأسرية، فكان عمله في المجلس استغلال المجلس لمصلحة أهله وجماعته وتجمعات قبيلته وعنصريته التي تؤويه". وفي الصحافة السعودية، أشار علي سعد الموسى (الوطن السعودية، 2009/5/19)، إلى تراجع الإسلاميين. وقال إن السبب هو تحولها إلى "مجرد قنوات إعلامية للإثارة.. لا تقدم للتنمية الوطنية الحقيقية حجر بناء واحداً حقيقياً". أما الكاتب المعروف صالح القلاب، فنبه إلى تراجع الإسلاميين في الكويت والأردن "منذ أن ربطوا أنفسهم بنظام الولي الفقيه في طهران، وبعد ذلك عندما وضعوا أنفسهم وتنظيمهم إلى جانب (حزب الله) ضد بلدهم". وطالب "الإخوان" في الكويت والأردن ومصر وفلسطين بأن "يسارعوا إلى وقفة مع الذات، وأن يراجعوا مسيرتهم بكل شجاعة وصدق". (الشرق الأوسط، 2009/5/21). بقي الآن أن ننتظر تطور الأوضاع البرلمانية في مجلس الأمة الكويتي في دوراته القادمة، والانتخابات المقبلة التي قد تكون أقرب مما نتوقع!