قرار دائرة النقل في أبوظبي زيادة عدد رحلات الحافلات العامة اليوميّة بنسبة 30% خلال شهر رمضان المبارك، توجّه إيجابي، ليس لأنه يتعاطى بشكل واقعي مع شكاوى كثير من مستخدمي هذه الحافلات، المتعلقة باشتداد الازدحام داخلها، أو طول مدة الانتظار في محطاتها، ولكن أيضاً لأنه يؤشر إلى نجاح هذه التجربة التي أصبحت من وسائل النقل الرئيسية في تيسير شؤون أفراد المجتمع. نجاح هذه التجربة تؤكّده العديد من الشواهد، إذ تشير إحصاءات مكتب النقل إلى أن عدد ركابها وصل إلى أكثر من 85 ألف راكب في اليوم الواحد على مستوى جزيرة أبوظبي، كما بلغ متوسط مبيعات بطاقات نظام "أجرة" نحو 12 ألف بطاقة شهرياً. وهذا يؤكّد أن الجمهور أصبح يتفاعل جدياً مع هذه التجربة، وأن هذه الحافلات أصبحت رقماً فاعلاً في حركة الجمهور وخدمته. الإقبال المتزايد من جانب الجمهور على الحافلات العامة دفع الجهات المعنيّة بخطط النقل العام في أبوظبي إلى تطوير هذه التجربة، وتفعيل دورها المستقبلي. وفي هذا السياق، فإن "مكتب النقل بالحافلات" يستعدّ لتشغيل الدفعة الأولى من أسطول الحافلات الجديد قريباً، حيث شرع في تدريب السائقين على قيادة هذه الحافلات المتطورة، ناهيك عن الخطط المتعلقة بإدخال تحسينات على هذه الخدمات بشكل مستمر، وإضافة خطوط ومرافق جديدة، وزيادة ساعات العمل للارتقاء بمستوى الخدمات المقدّمة إلى الجمهور، والاستجابة للطلب المتنامي عليها. قرار زيادة رحلات الحافلات العامة ينطوي على مردودات إيجابيّة عديدة، فهو من ناحية يتعاطى مع مشكلة نقص سيارات الأجرة، التي أصبحت لا تتناسب مع الزيادة السكانية لإمارة أبوظبي، إذ تشير الإحصاءات إلى أن معدل السكان إلى سيارات الأجرة يبلغ نحو 183 شخصاً لكل سيارة أجرة حالياً، مقابل 117 شخصاً لكل سيارة قبل نحو ثلاث سنوات. كما أنه من ناحية ثانية من شأنه التقليل من حدّة مشكلة الازدحام المروري، الذي أصبح سمة الحركة المرورية في معظم ساعات اليوم. واستخدام الحافلات سيخفّف من ازدحام الطرق بالسيارات الخاصة، وبالتالي سيخفف الضغط على الطرق؛ لأنه كلما توسّع استخدام وسائل النقل العام، وزاد إقبال الناس عليها، قلّ عدد السيارات الخاصة المستخدمة في الشوارع المختلفة، بما يحقّق الانسيابية المطلوبة في هذه الشوارع. كما أنه ينطوي على مكاسب اقتصادية مهمّة، حيث تشير الإحصاءات في هذا الخصوص إلى أن الدولة تخسر نحو 10 مليارات درهم سنوياً، تمثل نحو 3.5% من إجمالي الناتج القومي لدولة الإمارات، نتيجة لما يسببه هذا الازدحام المروري من تأخّر في نقل البضائع، واستهلاك الوقود بشكل كبير. لهذا كلّه، فإن قرار زيادة عدد رحلات الحافلات العامة ينبغي ألا يكون في شهر رمضان فحسب، بل طوال العام. والمطلوب أيضاً توسيع خطوط محطات الحافلات لتشمل جميع الشوارع الرئيسية، خاصة أن هناك العديد من الشوارع المهمّة وذات الكثافة السكانية، لا تمرّ من خلالها هذه الحافلات. النجاح الذي حققته هذه التجربة منذ انطلاقها العام الماضي يجب البناء عليه، والانطلاق منه لتعميمها وتوسيع دائرة المستفيدين منها؛ لأن هذا ينسجم مع خطّة النقل البري الشاملة لإمارة أبوظبي للأعوام العشرين المقبلة، التي تندرج في إطار "خطة أبوظبي الاستراتيجية 2030"، التي تهدف إلى تطوير نظام نقل عالمي متميز، يأخذ في اعتباره التخطيط للمستقبل، بمراعاة متطلبات النمو الاقتصادي، والاحتياجات المستقبلية للزيادة السكانية والتوسّع العمراني المتوقع لإمارة أبوظبي في السنوات العشرين المقبلة.