قبل قرن من الزمن تقريباً شيّد المهندس الأميركي "فرانك شومان" خمس مرايا كبيرة في منطقة المعادي بالقاهرة ووجهها إلى الشمس لتنعكس أشعتها على أنابيب ترتفع عن الأرض بمائتي متر، وهو ما كان يؤدي إلى تسخين المياه الموجودة في الأنابيب إلى درجة الغليان ثم يتشكل بعدها البخار الذي بدوره يزود الطاقة لمحرك يضخ ستة آلاف جالون من المياه ينقلها من نهر النيل إلى حقول القطن القريبة، وكانت تلك أول محطة في العالم لتوليد الطاقة باستخدام تقنية الطاقة الشمسية المركزة. وتستند هذه التقنية على تركيز أشعة الشمس من خلال مرايا عاكسة والاستفادة من الطاقة المترتبة على ذلك، وفيما كانت الطاقة تستخدم في السابق لضخ المياه فهي اليوم تُستغل لتوليد الكهرباء دون أن يختلف كثيراً المبدأ الأساسي الذي يحكم العملية. وقد سجل التاريخ استخدامات لأشعة الشمس تعود إلى عصور قديمة مثل استغلال المرآة المكبرة من قبل الصينيين لإشعال النار، وتقول الأسطورة أيضاً إن الرياضي اليوناني أرخميدس استخدم أشعة الشمس المنعكسة على سطح مرآة ضخمة لصد الأسطول الروماني الذي كان يتهيأ لغزو اليونان. والحقيقة أن المهندس الأميركي الذي أنتج الطاقة من خلال أشعة الشمس في مصر كانت تشغله معضلة نفاد الوقود الأحفوري، لا سيما الفحم الحجري الذي شكل مصدر الطاقة الأساسي في بداية الثورة الصناعية، فضلاً عن وسائل المواصلات الجديدة مثل القطار، التي غيرت وجه الحياة الإنسانية. وتعبيراً عن مخاوفه قال "شومان" لمجلة العلوم في عام 1911 فيما يبدو أنه استشراف مبكر للمستقبل "ثمة شيء واحد متأكد منه يتمثل في ضرورة استخدام الجنس البشري للطاقة الشمسية، وإلا سيسقط في براثن البربرية". بيد أن الاهتمام المبكر بأشعة الشمس وقدرتها على حل العديد من المشاكل المرتبطة بتوليد الطاقة سرعان ما تراجع بعد اكتشاف النفط وتوفره بكميات كبيرة وأسعار رخيصة، ليستمر ذلك إلى أن حلت أزمة النفط الأولى في السبعينيات فقرعت من جديد ناقوس الخطر وأعادت الحديث عن الطاقة الشمسية، مرة أخرى. وفي هذا السياق شهد عقد الثمانينيات ظهور محطات تشبه تلك التي صممها المهندس "شومان" في بداية القرن، وبدأت تنتشر عن نطاق واسع في صحراء "موجافي" الأميركية، ولكن مرة أخرى كان لانخفاض أسعار الغاز الطبيعي دور حاسم في إنهاء العديد من المشاريع. واليوم نشهد موجة ثانية، أو ربما ثالثة، لانتعاش محطات توليد الطاقة الشمسية، مع تأكيد الخبراء هذه المرة أن هذه الموجة جاءت لتبقى، ولن يتم التخلي عن الطاقة الشمسية لما أظهرته من قدرة على فرض نفسها كبديل أساسي لمصادر الطاقة التقليدية. فحسب الخبراء من المتوقع أن تنمو تقنية تركيز أشعة الشمس وتتضاعف قدرتها على توليد الطاقة بأكثر من 18 مرة خلال الخمس سنوات القادمة، وسيكون النصيب الأكبر من هذه الزيادة في توليد الطاقة عبر أشعة الشمس المركزة للولايات المتحدة بالنظر إلى استثمارات شركاتها الضخمة في هذا المجال. ومع أن الشركات الكبرى كانت على الدوام تنظر إلى تقنية أشعة الشمس المركزة لتوليد الطاقة كأحد الخيارات المطروحة لإنتاج الكهرباء، إلا أنها ترددت طيلة الفترة السابقة في تطويرها ويرجع ذلك في جزء منه على الأقل إلى أن التقنية لا تصبح فعالة ومجدية اقتصادياً إلا إذا حُول العمل بها لمعيار الميجاوات، وهو المعيار نفسه الذي ضمن نجاح تقنية الخلايا الشمسية بألواحها المألوفة واكتساحها للسوق. ولكن مع تنامي التركيز حالياً على حماية البيئة وظهور تشريعات تحد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون عاد الانتباه مجدداً إلى تقنية أشعة الشمس المركزة لتعود معها أيضاً احتمالات الاستثمار في المحطات الشمسية الكبيرة بدل الألواح التي تثبت على أسطح المنازل والبنايات، هذا ناهيك عن التحفيزات الضريبية التي تقدمها الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة للشركات الراغبة في ارتياد آفاق الطاقة الشمسية، ولاشك أن خفض الضرائب بنسبة 30 في المئة كما هو معمول به حالياً سيشجع الشركات على مزيد من الاستثمار. وعن احتمالات انحسار الاهتمام العالمي بالطاقة الشمسية على غرار السوابق التاريخية تقول "كارا ليبي"، وهي مديرة مشاريع في معهد أبحاث الطاقة بكاليفورنيا: "قبل عشرين عاماً كان الجميع يعتقد أن الطاقة الشمسية فرضت مكانها ثم فجأة تراجعت عندما انخفضت أسعار الغاز الطبيعي، ولكن اليوم يبدو أكيداً أن الطاقة الشمسية ستبقى هذه المرة". ولأسباب متعددة تجد الشركات نفسها منجذبة لتقنية أشعة الشمس المركزة، ومن أهم تلك الأسباب التكنولوجية المألوفة التي تعتمد عليها مثل محركات البخار المستخدمة منذ عقود في محطات الفحم الحجري، هذا بالإضافة إلى ما تتوفر عليه محطات توليد الطاقة عبر تركيز أشعة الشمس من إمكانية "الخمول الحراري" والتي تعني القدرة على تخزين الحرارة حتى عندما يكون الجو غائماً، وهو ما يتعذر في حالة الخلايا الشمسية التي تتطلب بطاريات خاصة يتعين شحنها دورياً للحفاظ على مخزون مناسب من الطاقة. والأهم من ذلك كله أنه فيما تبقى أسعار الغاز الطبيعي الذي يُعتمد عليه حالياً في إنتاج الكهرباء متذبذبة وعرضة لتقلبات السوق فإن تكلفة المحطات الشمسية في المقابل مجدية اقتصادياً على المدى البعيد لاقتصار التكاليف على سعر بناء المحطة وإطلاق المشروع في البداية. ------ فورمي مايرو كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"