كل عام وأنتم بخير بمناسبة أول يوم من رمضان لهذا العام، جعله الله شهر نصر وسعادة لنا جميعاً، ورحمة الله مرجوة في كل يوم ولكنه الأكرم بالرحمة في رمضان، فأسأل الله لنا ولكم القبول وأن نكون من عتقاء الله من النار في هذا الشهر الكريم، الذي أسميته في مقالي السابق شهر التغيير. إن البعض يلحظ على المسلمين في هذا الشهر في بعض الأوقات قلة الإنتاجية، وربما قضاء وقت أطول في العبادة الروحية التي افترضها الله تعالى على عباده المسلمين، وعندما تقاس الإنتاجية بمثل هذه الطريقة فهو قياس خاطئ من وجهة نظر شخصية. وأنا لا أدعو المسلمين إلى التفريط في أداء واجباتهم أو التقصير في هذا الأمر، لأن أداء العمل وإتقانه من العبادة التي يهتم بها المسلم فيؤجر على ذلك دنياً وآخرة، ولكنني أدعو نفسي وغيري إلى استثمار هذا الشهر لأنه ليس كغيره من أشهر السنة في التركيز على الروح والارتقاء بها وإخلاص النية لله تعالى في العمل والتدرب على التلذذ بالطاعات المختلفة كي يرضى الله عنا. وأشبّه الأمر ببعض الدورات والبرامج التي تنتدب لها الشركات والحكومات بعض الموظفين، وتخصص لذلك ميزانية للتدريب، بل وتؤمن لهم ساعات مناسبة تقتطع من أعمالهم، وربما يتغيب البعض أشهراً عن عمله ولا يحسب ذلك من الهدر الاقتصادي لأن مثل هذه الدورات ستعود على الشركة بالخير بعيد المدى عندما يرجع الموظف وقد تعلم الجديد والمفيد لمهنته. ومع فارق التشبيه فإن رمضان إذا تم استثماره حسب ما أمر الله تعالى فإن الإنسان يتخرج منه في أحسن حال، ويعود إلى حياته بعد رمضان أكثر إخلاصاً وتفانياً للعمل لأن مدرسة رمضان ليست تزكية للروح فقط بل هي أعمق من ذلك بكثير. ولعلي هنا أقترح نقاطاً لابد من الانتباه لها ونحن في أول رمضان كي نقطف الثمر في آخره. عندما يذهب أحدنا إلى دورة أو ورشة فإن أول ما يفكر فيه هو لماذا هذه الدورة أو الورشة؟ أو بلغة أخرى، ما هي الأهداف التي ستحقق مع نهاية الدورة أو الدراسة؟ والأمر صحيح في رمضان، فأول خطوة فيه أن يحدد الإنسان الأهداف الخاصة به، والتي يطمع أن تتحقق مع نهاية الشهر. وكلنا يعلم أن الله تعالى أنزل في القرآن الكريم الهدف العام من رمضان "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" هكذا حدد الله تعالى الهدف العام من رمضان والذي يلخص في التقوى. ولكن مع هذا الهدف هناك أهداف ينبغي أن يحددها الإنسان كي ينجح في نهاية الشهر، وهي تختلف من فرد إلى آخر، فمن كان مقصراً في الصلاة مثلاً عليه أن يكون أحد أهم أهدافه سد هذا النقص لأن الصلاة عمود الدين، ومن كان عنده ذنب يعرفه هو وقد ستره الله تعالى فرمضان فرصة للعلاج الناجح والتوبة من هذا الذنب. وملخص القول إن المؤمن يحدد له عددا محددا من الأهداف لرمضان في هذا العام. وبعد أن نحدد الهدف عندها لابد من ذكر الوسائل المناسبة لتحقيق ذلك الهدف، فمن كان مقصراً مثلاً في الصلاة يلزم نفسه في رمضان بالصلاة خمس مرات في المسجد، وعندها لو تعود على هذا الأمر لمدة شهر كامل فإنه من السهل عليه الاستمرار في هذا الأمر بعد رمضان، ومن لم تكن لديه علاقة جيدة مع المصحف قبل رمضان فإن رمضان شهر القرآن وفرصة للتدرب على التلاوة اليومية لكلام الله تعالى، وهكذا فإن العاقل يضع لكل هدف وسيلة. وقبل أن ينتهي رمضان وفي كل ليلة منه يتأكد كل واحد منا أنه يقترب كل يوم من تحقيق أهدافه، وبهذه الطريقة يمر علينا رمضان وقد تعلمنا منه الشيء الكثير. وأخطر داء في هذا المطاف هو التسويف كأن يقول أحدنا إن فاتني رمضان هذا العام فأنا على موعد معه في السنة القادمة، من يضمن لنا هذا، وكل رمضان وأنتم إلى الله أقرب.