في فلسطين مؤتمر لحركة "فتح" في رام الله، انتهى بانتخاب مجلس ثوري دخلت إليه وجوه جديدة وخرجت منه رموز معروفة لكن الثابت أن ما أنجز ليس بمستوى التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية مع الاحترام والتقدير لدور ونضال كل الرموز الفلسطينية. ويمكن القول إن ثمة تراجعاً على مستوى القيادة والأداء والعمل والفعالية. وممثلو "فتح" في غزة لم يشاركوا في المؤتمر، بل منعوا من ذلك بقرار من حركة "حماس"، وبعد انتهاء المؤتمر أفرجت "حماس" عن عدد من معتقلي "فتح" في سجونها. وسبق ذلك اشتباك دموي في غزة استأصلت فيه "حماس" على ما تقول عناصر "جند أنصار الله" الحركة المتطرفة في نظرها! وفي النهاية فالواقع القائم على الأرض يظهر المشاكل الفلسطينية- الفلسطينية التي يتم اللجوء إلى الدم أو السجن لحلها! وهذا أمر غير طبيعي في ظل تقدم إسرائيلي في كل المواقع لاستكمال خطوات الاستيطان في مختلف المدن وتهويد القدس أولاً، وغيرها، وطرد الفلسطينيين، ورفض الالتزام بأي تعهد أو خطوات عادية لإعادة إطلاق المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. وعامل الوقت هنا ليس لمصلحة الفلسطينيين. فإسرائيل تكسب الوقت لتمرر فترة السماح الطبيعية الممنوحة للإدارة الأميركية الجديدة، وتريد ألا يكون خلاف معها، حتى تصل إلى مرحلة يكون فيها تطابق في المواقف، أو تكون هي قد فرضت أمراً واقعاً على الأرض لا يستطيع الأميركيون تجاهله. الرئيس المصري حسني مبارك ذهب إلى واشنطن ولم يعد بأي جديد. إسرائيل على مواقفها. أميركا تريد من العرب والفلسطينيين خطوات، والعرب لا شيء لديهم يقدمونه سوى المبادرة العربية فيما المطلوب منهم: التطبيع في موازاة وقف الاستيطان... في العراق، رئيس الحكومة نوري المالكي يزور دمشق، ويعلن في نهاية الزيارة عن اتفاق تاريخي معها يقضي بتشكيل "مجلس تعاون استراتيجي" لمتابعة العلاقات بين البلدين ومستقبل العراق وحدةً وأمناً واستقراراً، ومستقبل المنطقة المحيطة بها. فيما المطلوب تعاون استراتيجي عربي يبحث في كل قضايا العرب وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ويهتم بمستقبل العراق الذي لا يزال مهدداً. ولم يكد الرئيس العراقي ينهي زيارته إلى دمشق حتى وقعت انفجارات متعددة في قلب بغداد حصدت المئات من الشهداء والجرحى والخراب والدمار، وكأن ثمة من يقول: سيبقى العنف سيد الاجتماعات واللقاءات والتحركات والمواقف والقرارات، ولن يتمكن طرف ما من التحكم في مصير هذا البلد وثمة قوى أخرى مؤثرة وفاعلة على الأرض ولها مصالحها هناك... وفي اليمن حرب حقيقية بين الجيش اليمني وجماعة الحوثيين التي بدأت بالعمل منذ سنوات. والإعلام اليمني اتهم إيران بتمويل الحوثيين. والحرب على الحدود مع السعودية، والسعودية لاشك أنها تتأثر بما يجري هناك كما تتأثر بما يجري في العراق. واليمن مهدد في وحدته مجدداً نظراً لاضطرابات الجنوب والمطالبات بالانفصال، كما هو مهدد في أمنه واستقراره وانعكاس ذلك على جيرانه من خلال هذه الحرب الجديدة. وكل هذه الأوضاع مترابطة مع بعضها بعضاً من طهران إلى صعدة، إلى القاهرة، بعد السجال الجديد بين حكامها والمسؤولين الإيرانيين. إلى العراق، والخليج وسوريا وفلسطين ولبنان على أن لبنان هو الحلقة الأضعف في كل هذه الصورة، فهو مهدد من قبل إسرائيل، ومنقسم على ذاته في الداخل. ودول إقليمية تتعاطى معه على أساس الورقة أو الساحة التي يمكن أن تعزز دور هذه الدولة أو تلك! إذا تحدثت عن طهران حضر لبنان. وإذا تحدثت عن سوريا وفلسطين والعلاقات العربية- العربية، والعراق والقوى المتداخلة على أرضه، حضر لبنان. بل قد لا تكون ثمة مبالغة في القول: إذا تحدثت عن أفغانستان والسودان حضر لبنان، لأن في كل ذلك أيضاً أميركا وإسرائيل وما أدراك ما دور أميركا وإسرائيل في كل ما يجري في المنطقة وخصوصاً في لبنان، دون أن يعني ذلك أن ليست للآخرين أدوار هنا وحسابات تتقدم على حسابات لبنان هناك. واليوم ثمة أزمة تشكيل حكومة في لبنان. الأسباب المعلنة من قبل بعض القوى السياسية المتمسكة بشروط توزير أقرباء أو التمسك بحقائب كأن كرامة من يمثلون مربوطة بحقيبة دون أخرى، أو كأن أمور البلاد لا تستقيم إلا إذا تم توزير هذا أو ذاك والحصول على هذه الحقيبة أو تلك. والأخطر من كل ذلك إصرار البعض، وباعتزاز، على أن موقفهم شخصي ولا يمكن التراجع عنه أبداً. نعم أمام الصورة المرسومة إقليمياً والمخاطر المحدقة بنا، وأمام ما قيل منذ أيام من أن التهديدات الإسرائيلية للبنان تستهدف عرقلة تشكيل الحكومة ومنع ودخول "حزب الله" إليها، فإن ثمة من يتصرف بذهنية لا تشير على الإطلاق إلى حس بالمسؤولية الوطنية اللهم إلا إذا كان المعلن هو الحقيقة وهو أيضاً المضمر. إذا كانت إسرائيل تريد ذلك فما هو دورنا؟ وكيف نحمي لبنان من شرورها؟ في ما خص توزير "حزب الله"، ليس ثمة أحد في لبنان اعترض أو يعترض على ذلك، بل الجميع يتحدث عن شراكة مع الحزب لإنتاج حكومة الشراكة الوطنية، وأحرص من تحدث عن ذلك هو صاحب المصلحة المباشرة في موقع المسؤولية الجديد، وأعني الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الدين رفيق الحريري. وتبقى إذاً مسألة عرقلة التشكيل التي تريدها إسرائيل. وهذا أمر طبيعي لأن إسرائيل لا تريد خيراً للبنان، أو هدوءاً أو استقراراً أو وفاقاً أو شراكة وطنية. لكن ماذا نريد نحن؟؟ وإذا عرفنا أن إسرائيل تريد العرقلة ألا يدعونا ذلك إلى الإسراع في تشكيل الحكومة وتجاوز العصبيات والنكايات والأحقاد وكل أشكال التحريض والتمسك بالمصالح الشخصية الضيقة؟ إن ما قدّم من أعذار وأسباب من قبل بعض القوى المسماة معارضة في لبنان ليس أعذاراً مقنعة حتى الآن لتأخير تشكيل الحكومة، ومع ذلك نقول عسى أن تكون الأسباب داخلية فقط على رغم شخصانيتها غير المقنعة أو المبررة، وألا نكون في دائرة حسابات أوسع وأكبر من لبنان، ونستخدم فيها المواقف والمواقع اللبنانية من أجل تحقيقها.