القول الشائع هو إذا كُنتَ تتجنب اتخاذ قرار صعب، لكنه ضروري، وأنت في مركز قيادي، فالوسيلة الناجعة والآمنة هي تأليف لجنة أو فريق خبراء حتى \"تقتل الموضوع بحثاً ودراسة\". قد ينطبق هذا على تقارير التنمية الإنسانية العربية التي قام بنشرها برنامج الأمم المتحدة للتنمية منذ سنة 2003، والتي كان آخرها التقرير الخامس \"تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية\". وكالعادة، يثير التقرير كثيراً من النقاش في المنطقة العربية وربما خارجها أيضاً، وآخر ما رأيته في هذا الخصوص هو مقالة في الصحيفة ذائعة الصيت ذات التأثير العالمي: \"وول ستريت جورنال\"، وهي على اسم شارع صغير جداً في نيويورك اكتسب شهرته العالمية من كونه مقر البورصة الأميركية، وهي أكبر بورصات العالم على الإطلاق. كاتب المقال هو الدكتور فؤاد عجمي (أميركي من أصل لبناني) يعمل أستاذاً للعلوم السياسية ومديراً لدراسات الشرق الأوسط في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور بواشنطن. والمقال هجوم حاد على التقرير، حيث لا يرى عجمي غير السلبيات، وذلك أساساً، كما يقول، بسبب المثقفين العرب الذين دأبوا على مهاجمة الولايات المتحدة وإلصاق كل التهم بها بدلاً من التركيز على ما يجري داخل مجتمعاتهم والعمل على سد العجز الذي يشد هذه المجتمعات إلى أسفل الأسفل. ورغم اختلافي الشديد مع التقييم المتسرع من جانب عجمي، إلا أني أعتقد أن مناقشة هذا التقرير هي في حد ذاتها مؤشر إيجابي ويجب أن يكون مفيداً. فالمنطقة العربية تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى، لنقاش جاد حول أوضاعها، وقد يؤدي هذا النقاش إلى إيقاظ الشارع العربي من غيبوبته ويدق أجراس الخطر فيما يتعلق ببعض المشاكل التي تتفاقم يوماً بعد يوم. لكن ليكون هذا النقاش مفيداً، فليقم على أساس ثلاثة شروط: 1 - ألا يكون هذا النقاش أبدياً، أي النقاش من أجل النقاش، أو كما يقال عن بعض اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة: أن يصبح \"دكانة كلام\". 2 - أن يقوم هذا النقاش على أساس قراءة جدية، متمحصة ونقدية لكل أجزاء التقرير وجداوله. 3 - أن يؤدي هذا النقاش إلى الوصول إلى خطة عمل وجدول خطوات محددة وعملية لمواجهة تحديات المنطقة العربية. ولتوضيح هذه الرؤية وجعلها قابلة للتنفيذ، نأخذ مثلاً من مشكلة مهمة في المنطقة العربية، وهي مشكلة البطالة، فالبطالة ليست مشكلة اقتصادية فحسب، ولكنْ لها آثار اجتماعية ونفسية خطيرة، وفي الواقع فأنا اعتبرها قنبلة موقوتة في أي مجتمع، وقد تعصف به في أي لحظة، فهي مرتبطة بنزيف العقول الذي يحرم المجتمع العربي من خير استثماراته، كما أنها مرتبطة بالهجرة غير المشروعة وإلقاء الشباب بأنفسهم في البحر، حيث يلقون حتفهم، أو الانخراط في منظمات متطرفة ثم \"الانتحار\" بطرق مختلفة. الإحصائيات في المنطقة العربية لا توضح فقط حدة مشكلة البطالة، لكنها توضح أيضاً تطورها من سيئ إلى أسوأ، حيث كان متوسط البطالة في التسعينيات 14.5 في المئة ليصل في 2005 إلى 15.5 في المئة، مقارنة بالمتوسط العالمي 6.3 في المئة. وتصل النسبة بين الشباب العربي حوالي 30 في المئة، وهذا هو المتوسط فقط؛ لأنها متدنية في بعض البلدان العربية ذات الدخل المرتفع، حيث تبلغ في قطر 17 في المئة، وفي البحرين 21 في المئة، وفي الكويت 23 في المئة، وفي السعودية 26 في المئة... ثم تصل 38 في المئة في جيبوتي، و41 في المئة في السودان، و44 في المئة في موريتانيا، و46 في المئة في الجزائر... ومن المحتمل أن بعض هذه الإحصائيات أقل من المعدل الحقيقي. ومن حسن الحظ أن مواجهة مشكلة البطالة تأتي بحل سريع وفي وقت قصير نسبياً، فيكفي ضخ الأموال في المشاريع العامة، مثل إنشاء الطرق أو بناء المصانع، لسحب هؤلاء الشباب من التسكع في الشوارع والمقاهي، ومن حياة الكسل، أو التفكير في مشاريع انتحارية أو يائسة... لإعطائهم عملاً يعيد لهم الثقة بالنفس ويجلب لهم ولأسرهم الأمل.