"مالا جويا" ناشطة سياسية، ومنشقة، وإحدى أشجع النساء في أفغانستان. وفي كتابها الموسوم "رفع صوتي"، الذي يجمع بين السيرة الذاتية والمانيفستو السياسي، تكشف "جويا"، التي تعد أصغر أعضاء البرلمان الأفغاني سناً، عن المآسي العديدة التي تعاني منها بلادها، والتي لا تقتصر فحسب على القمع الواسع النطاق للمرأة، وإنما أيضاً على الانغلاق الفكري السائد، والذي يجعل هؤلاء الذين يصعدون إلى مواقع القيادة والتأثير، يرون أن رأيهم هو الصواب وأن الآخرين على خطأ، ومن ثم يرفضون التوصل إلى حلول وسط، وإجراء تسويات، وبناء تحالفات والنظر إلى الأمور بشكل أكثر شمولاً. وتقول المؤلفة إن القمع المعنوي الذي يتعرض له كل من يفكر بشكل مختلف عن الجماعة في أفغانستان، يحول دون تبلور فرص للتوافق حول المسائل ذات الصبغة التكتيكية على أقل تقدير، وأن ذلك يجعل كل من يسعى إلى رفع مستوى الوعي لدى المواطنين، أو يبدي رغبة في خوض معارك من أجل العدالة، والدفاع عن ضحايا القهر والتمييز... في حاجة إلى جرعة كبيرة من الشجاعة والتجرد والإخلاص. والاطلاع على سيرة جويا الذاتية، يكشف أنها تمتلك القدر المطلوب من تلك الصفات، لذلك لم يكن من المستغرب أن تكون ثاني امرأة تحصل على جائزة "آنا بوليتكوفسكايا"، الصحفية الروسية الشجاعة التي اغتيلت في أحد شوارع موسكو منذ ثلاثة أعوام بسبب كشفها ممارسات السلطة الروسية في الشيشان."جويا" تنتمي إلى هذه النوعية من النساء الشجاعات، كما لعبت دوراً نشطاً ودؤوباً في مساعدة مجتمعها المحلي من خلال إنشاء العيادات الصحية، ومؤسسات رعاية الأيتام، ومراكز العون الذاتي للمرأة، وقد ساعدها على ذلك ما تتمتع به من صفات مثل القدرة على الخطابة والتواصل مع الجمهور، والديناميكية، والكاريزما الشخصية. وتصب" جويا" جام غضبها على الأصوليين الإسلاميين، وأمراء الحرب الذين سيطروا على مقاليد السلطة في البلاد عام 1992 بعد صراعات دامية عقب خروج القوات السوفييتية ثم أطاح بهم مقاتلو حركة "طالبان" عام 1996، قبل أن تعيدهم القوات الأميركية مرة أخرى عام 2001. وسبب انتقادها لهؤلاء الأصوليين وأمراء الحرب المتنفذين هو الدور البالغ الضرر الذي لعبوه ومازالوا يلعبونه في المجتمع الأفغاني، ومن مظاهره قمعهم للمرأة، ومشاركتهم في قتل آلاف من سكان كابول خلال الصراعات المسلحة التي اندلعت في التسعينيات. وتحكي المؤلفة كيف تعرضت هي شخصياً لعدة محاولات اغتيال، رغم أنها كانت تتنقل بين المدن والقرى الأفغانية في إطار دورها كنائبة برفقة حرس مسلحين، وأن تلك المحاولات وما تتلقاه من تهديدات، يجعلها تتنقل دائماً بين منازل مختلفة. وتوجه المؤلفة انتقادات حادة للمجاهدين الذين يدعون أنهم حرروا البلاد من الغزو السوفييتي رغم أن ذلك في رأيها لم يكن ليتم دون المساعدات والدعم المادي الضخم الذي تلقوه من القوى الغربية التي يصمونها الآن بالكفر. وهي لا تستثني من نقدها أحمد شاه مسعود قائد التحالف الشمالي المغدور الذي أطلق عليه صحفي غربي لقب "أسد بانشير". كما تنتقد الولايات المتحدة وحلف "الناتو" وتدعو إلى سرعة رحيلهم من البلاد؛ لأنه "كلما طال أمد بقاء القوات الأجنبية في أفغانستان واستمرت في ممارساتها الحالية، زاد ذلك من احتمالات وقوع حرب أهلية ذات عواقب وخيمة في أفغانستان". لكن مما يقلل من صدقية كتاب "جويا" ما تدعيه لنفسها من صواب دوماً، وتأرجحها بين بين التعصب الطائفي، وبين الادعاءات المبالغ فيها، والتي تصل إلى حد الغرور في أحيان كثيرة مثل قولها: "عندما أتحدث في أي مكان من العالم، أتحدث بالنيابة عن جميع المضطهدين والمقهورين في كل ركن من أركان وطني". وجويا، وهي ابنة مقاتل تحرري سابق فقد ساقه خلال الحرب ضد الاحتلال السوفييتي لبلاده، تلقت تعليماً في مدرسة داخلية في باكستان تديرها "الجمعية الثورية لنساء أفغانستان". وتقول إن تلك المدرسة العلمانية، كان كثير من العاملين فيها من الشيوعيين الماويين المعارضين للغزو السوفييتي لأفغانستان. ومع ذلك، لا تجد المؤلفة اليوم الكثير من الأشياء الجيدة التي يمكن أن تقولها عن اليساريين الآخرين من غير الماويين والذين تصفهم بأنهم "دمى سوفييتية"، إذ لم يجدوا غضاضة في الاستعانة بدعم الاتحاد السوفييتي رغم أن قواته كانت تحتل البلاد، وذلك في إطار معركتهم مع الجهاديين المدعومين من أجهزة الاستخبارات الغربية. كما تنتقد المؤلفة عدداً آخر من الشخصيات العلمانية المناوئة للتطرف مثل "سيما سمر" رئيسة مجلس إدارة مفوضية حقوق الإنسان الأفغانية المستقلة، و"أشرف غاني" أحد المرشحين للرئاسة في الانتخابات الحالية؛ لأنهم خدموا سابقاً مع الرئيس الحالي حامد كرزاي. وتقول إن أصدقاءها يحثونها أحياناً على إنشاء حزب جديد، لكنها تريد التأكد أولاً من أن إنشاء مثل هذا الحزب سيساعد على توحيد القوى التقدمية في أفغانستان، قبل أن تقدم على إنشائه بالفعل. سعيد كامل الكتاب: رفع صوتي المؤلفة: مالايا جويا الناشر: ئي بيري للنشر تاريخ النشر: 2009