حسب إحصاءات صدرت عن وزارة العمل، مؤخراً، فإن عدد المنشآت التي خالفت قرار حظر العمل في وقت الظهيرة منذ دخوله حيّز التنفيذ في الأول من يوليو الماضي وحتى السادس عشر من شهر أغسطس الجاري وصل إلى 553، أما عدد المنشآت الملتزمة فوصل إلى نحو 55 ألفاً و805 في الفترة نفسها. وهذا إن كان يعني أن نسبة ضئيلة جداً لا تكاد تذكر، هي التي لم تلتزم القرار، فإنه على الجانب الآخر يبعث بإشارات خطأ عن بيئة العمل في الدولة. أولى هذه الإشارات هي امتلاك بعض الأطراف القدرة على تغييب القانون وعدم التزامه؛ فتجاوز عدد قليل من المؤسسات وأصحاب الأعمال قرار حظر العمل يعمل في اتجاه معاكس لاتجاهات الدولة وقناعاتها الحقيقية التي تنعكس من خلال سنّ القوانين والتشريعات المنظّمة لسوق العمل، وهذه المخالفات تغذّي التوتر حتى يصبح مسيطراً على العلاقة بين العمال من ناحية وأصحاب العمل من ناحية ثانية، ومن ثم يؤثّر في مستوى الإنتاج ومعدّلاته بصفة عامّة. الإشارة الثانية الخطأ هي توهّم بعضهم أن آليات الردع القانونية ليست قوية بدرجة كافية، أو غير قادرة على إجبار المنشآت أو أصحاب الأعمال المخالفين -حتى لو كان عددها ضئيلاً- على التزام القوانين التي تنظّم سوق العمل وهذا غير صحيح، ناهيك عن أنه يبعث برسالة مغلوطة قد تدفع مؤسسات ملتزمة على القيام بمثل هذه التجاوزات. الإشارة الثالثة هي أن هذه التجاوزات، قد يتم استغلالها من جانب بعض المنظّمات والجهات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان للاستشهاد بها في التقارير التي تصدر عنها، وهذا فوق أنه يشوّه بيئة العمل في الدولة كما سبقت الإشارة، فإنه يغطي على الإنجازات التي تكفلها الدولة لحماية حقوق العمال، في مواجهة أيّ محاولة للنيل منها. الشواهد والمعطيات تؤكّد أن الدولة وفّرت إطاراً قانونياً شاملاً يضمن حقوق الإنسان في بيئة العمل من خلال سلسلة القرارات والتشريعات التي اتّخذتها مؤخراً، وفي مقدّمتها قرار مجلس الوزراء في شهر يونيو الماضي، والخاص بدليل المعايير العامّة للسكن العمالي، وهو الدليل الذي سيسري العمل به اعتباراً من الشهر المقبل؛ فالمواصفات التي انطوى عليها الدليل الجديد لا تراعي الحاجة إلى السكن وحسب، وإنما أيضاً مجمل حاجات العامل الإنسانيّة الأخرى من ترفيه وهدوء وصحّة وغيرها. ثم إلزام وزارة العمل المنشآت للأخذ بنظام حماية الأجور الذي يلزمها تحويل راتب العمّال شهرياً إلى البنوك، ومن ثم يمكن التأكّد من التزامها دفع هذه الرواتب في مواعيدها، وعدم تأخيرها أو المماطلة في تسديدها لأصحابها في الوقت المحدّد لذلك. كما ألزمت الحكومة أصحاب الأعمال والشركات بتنفيذ نظام التأمين الصحّي لجميع فئات العمال دون تمييز. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن وزارة العمل تسعى بشكل دائم ومستمر لكي يؤدي العامل العمل الذي قبله وتعاقد عليه دون أدنى استغلال حتى من بعض وكالات العمل في البلد القادم منه ما قد يضطره لقبول عمل وهو مجبر عليه، وذلك بتوفير الآليات التي يستطيع من خلالها العامل التقدّم بأي شكوى حول عدم حصوله على حقوقه بالشكل المتعاقد عليه؛ وذلك حماية له من أي ممارسات غير مقبولة، فهناك محكمة للقضايا العمالية، وتصدر هذه المحكمة أحكامها وفقاً لقواعد قانونيّة شفّافة. المشكلة ليست في الأطر القانونية أو التشريعات التي تضمن حقوق العمال، فهي متكاملة وشاملة لمختلف أنواع الحقوق، وإنما تكمن دائماً في التزامها من جانب المؤسسات وأصحاب الأعمال، والتي تلجأ في بعض الأحيان إلى التحايل على هذه الحقوق، وهذا يتطلّب وقفة صارمة مع مثل هذه المؤسسات. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية