تقدم دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً فريداً في الحفاظ على البيئة وحمايتها؛ كونها تمتلك استراتيجية وخطة وطنية للعمل البيئي واضحة المعالم، تجسيداً لالتزام الدولة بحماية البيئة وتبني مبادئ التنمية المستدامة. لكن ما هي أبرز تجليات التجربة الإماراتية في معالجة قضايا البيئة؟ وماذا عن المرجعية الفكرية للاهتمام الإماراتي بالبيئة؟ سؤالان مركزيان يتصدى لإجابة عنهما كتاب \"تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في حماية البيئة\"، لمؤلفه الدكتور محمد يونس. ويناقش المؤلف مفهوم البيئة موضحاً أنها \"الوسط أو المجال الذي يعيش فيه الإنسان، بما يضم من ظواهر طبيعية وبشرية يتأثر بها ويؤثر فيها\". كما يتعرض للنظام البيئي بما يضمه من \"كائنات حية محلِّلة\"، و\"كائنات حية مستهلِكة\"، و\"منتجات\"، و\"مكونات غير حية\". ثم يثير علاقة الإنسان بالبئة؛ كونها المجال الحيوي الذي يضمه مع باقي الكائنات الحية الأخرى على سطح الأرض. لكن المجال البيئي بات عرضة لأخطار وتحديات كثيرة في ظل الثورة الصناعية والتقدم التكنولوجي والتطور الاقتصادي، وما يصاحبها من تزايد هائل في الأنشطة وأنماط السلوك الضارة بالبيئة. وأمام هذه الأخطار والتحديات كان لابد من جهود دولية لإنقاذ البيئة وحماية الحياة البرية، وهي الجهود التي تكللت خلال قمة ستوكهولم العالمية عام 1972 بإنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة، سعياً لقيام شراكات من أجل حماية البيئة على نحو يتيح للأمم والشعوب تحسين نوعية حياتها، دون الإضرار بنوعية حياة الأجيال المقبلة. ودولة الإمارات هي إحدى دول العالم الرائدة في مجال الاهتمام بالبيئة وبالتنوع الحيوي، وقد أصبحت لها تجربتها الخاصة في معالجة قضايا البيئة. من هنا يعرض المؤلف، وبتفصيل كبير، للجهود والوسائل التي اتبعتها الدولة في هذا المجال؛ ومن ذلك ميلاد الاستراتيجية الوطنية البيئية وخطة العمل البيئي التي أُنجزت في عام 2000 بهدف تعزيز التزام الدولة بحماية البيئة، وتبني مبادئ التنمية المستدامة، وتنمية القدرات العاملة في المجال البيئي. ويأتي على رأس المحفزات والبواعث وراء السياسة الإماراتية في المجال البيئي، الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة للفحاظ على البيئة؛ فقد منح المغفور له -بإذن الله تعالى- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان جل اهتمامه للبيئة، ويواصل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة حفظه الله، هذا الاهتمام الذي يتزايد يوماً بعد يوم ويأخذ أبعاداً جديدة؛ ومن مظاهره ما نرى من جهود جبارة في مجال التشجير وتخضير الصحراء ومكافحة التصحر، وحماية الحياة البرية. كما تم استحداث أكثر من هيئة بيئية، محلية واتحادية، قام بعضها بالعديد من الأبحاث والدراسات حول الحياة الفطرية والحيوانية والبحرية في الإمارات، واهتم بعضها أيضاً بتطوير وسائل التربية البيئية في المناهج الدراسية، كما أولى اهتماماً ملحوظاً بالتوعية البيئية عبر وسائل الإعلام المختلفة. وإلى ذلك فقد تقرر في عام 1997 تخصيص يوم الرابع من فبراير من كل عام كيوم وطني للبيئة في الدولة، لكونه يمثل ذكرى إنشاء الهيئة الاتحادية للبيئة في عام 1993، علاوة على المناسبات البيئية الأخرى، المحلية والعالمية، التي تحتفل بها الإمارات، وما تنظمه من مسابقات وجوائز للأعمال والأبحاث المتميزة في المجال البيئي؛ وفي مقدمتها جائزة الشيخ زايد الدولية للبيئة، والتي تعتبر إحدى أكبر الجوائز العالمية في هذا الميدان. وكما يوضح المؤلف، فإن الاهتمام الإماراتي بالبيئة لا يقتصر على المدخل الإداري متمثلا في إنشاء العديد من الهيئات المعنية بحماية البيئة، بل أيضاً حرصت الدولة على تدخل تشريعي ملائم للحفاظ على البيئة وحمايتها من التلوث، وذلك بسن قوانين وقرارات تنظيمية لمواجهة التلوث البيئي، وحماية البيئة البحرية والموارد المائية، ومنع قطع الأشجار وصيد الحيوانات، فضلا عن الانضمام إلى العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية في المجال البيئي؛ ومن أبرزها اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، وبروتوكول التحكم في النقل البحري للنفايات الخطرة والنفايات الأخرى، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، واتفاقية الأمم المتحدة لمنع تلوث البحر بالزيت.. إلخ. وفي مجال الحماية الشاملة للحفاظ على البيئة، يقول المؤلف إن الدولة تبذل جهوداً كبيرة للحفاظ على التنوع البيولوجي من خلال المحميات الطبيعية، والمناطق المحمية، المنتشرة على مساحات برية واسعة في دولة الإمارات، إضافة إلى المحميات البرية، هذا فضلا عن جهودها لحماية الطيور وأبقار البحر. وإذا كان الاهتمام الملحوظ لدولة الإمارات بقضية البيئة يتواكب مع الاهتمام العالمي بهذه القضية، فإنه أيضاً ينبع من المرجعية الثقافية والفكرية للدولة والمجتمع، والتي يشكل الإسلام جوهرها. وهنا يفصل المؤلف شرحه حول المنهج الشامل الذي يطرحه الإسلام لعلاج المسألة البيئية، وهو منهج قائم على التعايش السلمي بين الإنسان وبيئته، ودعوة الناس إلى المحافظة على المصادر الطبيعية من خلال التعامل الرشيد معها، بعيداً عن الإسراف أو الإفساد في الأرض. ومع ذلك يبقى النموذج الإماراتي في الحفاظ على البيئة وعلى وحمايتها، نموذجاً فريداً في العالمين العربي والإسلامي، وذلك (أولا) لاستناده إلى رؤية واعية، و(ثانياً) لكونه ارتكز على مداخل فكرية وإدارية وتشريعية و\"حمائية\" شاملة... معاً. محمد ولد المنى الكتاب: تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في حماية البيئة المؤلف: د. محمد يونس الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2009