أفرزت انتخابات اللجنة المركزية لحركة "فتح" نتيجة غير مفاجئة، ولكنها مخيبة للآمال، من حيث إنّ الغالبية الساحقة من أعضائها مقيمون في الضفة الغربية (باستثناء شخصين)، دون تمثيل يذكر للشتات الفلسطيني ولقطاع غزة، حيث يعيش أكثر من ثلثي الفلسطينيين. وهذه النتيجة استمرار لحقيقة أنّ القيادة الفلسطينية تركّز اهتمامها دائماً على المكان الذي تكون فيه. ففي مؤتمرات "فتح" السابقة، كان تمثيل ساحات الداخل "الفلسطيني" يكاد يكون هامشيّاً، والآن انقلب الأمر. و"فتح"، ليست فريدة في عدم التوازن هذا، فإذا كانت "فتح" وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية الأخرى كانت لها في وقت من الأوقات تنظيمات تابعة لها حول العالم، ومازالت تحتفظ ببقايا تلك التنظيمات، فإنّ حركة "حماس" مثلاً لم تكن لها يوماً تنظيمات شعبية في الشتات تاركة هذه المهمة لـ"الإخوان المسلمين". وهذه النتائج ستعزز إحساس اللاجئين الفلسطينيين بالفراغ وعدم وجود تمثيل أو جهة ترعى مصالحهم وتؤطّر جهودهم. وإذا كان اللاجئون هم من أوجد تاريخيّاً فصائل المقاومة، فإنّ هناك أيضاً مؤشرات ودلائل على أنّ حالة الفراغ الراهن في العمل السياسي الفلسطيني قد لا تستمر طويلاً. وأحد المؤشرات هو مؤتمرات اللاجئين في أوروبا وأميركا اللاتينية، التي باتت حدثاً متكرراً هدفها مأسسة عمل هذه الجاليات. كما أنّ هناك عدداً كبيراً من الجمعيّات والمنتديات التي باتت تنشط بمعزل عن فصائل العمل الفلسطيني في أنحاء متفرقة حول العالم. وفي المدة الأخيرة، نشرت وسائل إعلام مقالات تكشف عناوينها حالة القلق والتململ، ومن هذه المقالات ما جاء بعناوين مثل: "هل توطين الفلسطينيين عربياً خيانة؟!"، والموضوع هنا كان المعاناة التي يعيشها اللاجئون في بلدان عدة من واقع حياتي وقانوني صعب، مثل عدم سماح الدولة التي يحمل اللاجئ وثائق سفرها بالعودة إليها إلا بشروط معقدة، والافتقار للخدمات الصحية والتعليمية ولفرص العمل في أكثر من بلد بموجب سياسات رسمية. ويَخلُص كثيرون إلى أنّ "الأصح أن يبقى الفلسطيني يحمل جنسيته الفلسطينية ويمنح حيث يعيش حقوقاً كاملة ومعاملة محترمة"، وعدم حمل فزاعة التوطين لتبرير التمييز؛ لأنّه ليس صحيحاً أنّ الفلسطيني إذا ما حصل على حقوق مدنية سينسى قضيته، ودليل ذلك فلسطينيو أوروبا المتمتعون بالجنسيات والميزات الحياتية العالية وهم الأكثر اشتغالًا في الهم الفلسطيني. وكذلك كان لافتاً في الأيام الفائتة، الإعلان عن أكثر من حملة يقوم بها فلسطينيون في الشتات وداخل الوطن، منها حملة لمساندة اللاجئين الفلسطينيين فاقدي الأوراق الثبوتية في لبنان، وأخرى في القدس ورام الله، بعنوان "كرامة"، هدفها الضغط على إسرائيل لوقف معاناة الفلسطينيين أثناء الخروج من المعابر الحدودية من الضفة الغربية ووقف إذلالهم. كما توجد مشاريع عدة لقنوات تلفزيونية ومراكز أبحاث ومجلات فلسطينية مستقلة في أكثر من بلد في العالم. وهذه المشاريع والحملات والمقالات كلها تقوم على مبادرات مجموعات فلسطينية غير مرتبطة فعليّاً بفصائل ومنظمات، وكثير من القائمين على هذه المشروعات لا يمانعون في أن يكون للجهات الرسمية الفلسطينية دور في دعمها ورعايتها، ولكنها في الوقت ذاته تعلن ضمناً أنها لن تنتظر الرسميين والفصائل المتصارعة طويلاً، وأنّ هناك لاجئين وفلسطينيين يعيشون أوضاعاً صعبة، أو يعيشون قلقاً بشأن المستقبل، يأخذون المبادرة بأيديهم. كما أنّه لا يوجد اطمئنان بأنّ الحلول المطروحة وأفق العمل السياسي الراهن سيوفر حلولاً لمشاكلهم، وينهي لجوءهم أو حتى يوفر لهم شبكة أمان في أماكن إقامتهم وعملهم وتعليمهم وحياتهم. وتطور مثل هذه المبادرات قد يكون دلالة إيجابية على مجتمع مدني حيوي أعاد تنظيم صفوفه دفاعاً عن قضيته، لكن ستكون هناك أضرار جانبية لغياب فصائل العمل الرئيسية عن الساحة، وأهم هذه الأضرار تعقيد وتشتيت آلية تمثيل الفلسطينيين، والتشكيك في مدى تمتع الجهات التي تمثل الفلسطينيين رسمياً بتأييد شعبي، وبالتالي قدرتها على الحديث باسمهم والتوصل لحلول باسمهم، وعلى تعبئة طاقات الفلسطينيين وتوحيدها في مواجهة الاحتلال واللجوء. وإذا كان الحل الأمثل هو إعادة بناء منظمة التحرير لتأطير جماهير اللاجئين ورعاية شؤونهم، فإن تأخر هذا سيجعل من المحتّم أن نشهد أسساً وأشكالاً وأُطراً جديدة للعمل الفلسطيني خصوصاً في الشتات.