منذ شهر تقريباً، نشرت الصحف في مصر توقيف السلطات المصرية في مطار الإسكندرية عضواً في \"اللجنة الوطنية الإماراتية لنصرة الشعب الفلسطيني\" وبصحبته إماراتيين آخرين قادمين من مطار الشارقة وبحوزتهم 135 ألف دولار و159 ألف درهم و13 ألف جنيه مصري. وذكرت صحيفة \"المصري اليوم\" أن هذه الأموال جاءت لتمويل جماعة \"الإخوان المسلمين\" في مصر بدعوى القيام بمشروعات إغاثة. هذا الخبر أزعج كل إماراتي سمع به أو قرأه، فهل يعقل أن أموال المحسنين والمتبرعين تستخدم في غير ما تم التبرع له؟ ومن سمح لهؤلاء أن يتلاعبوا بأموال المحسنين ويأخذوها لدعم جماعات محظورة ومتطرفة؟! لقد قام هؤلاء بأمر كان يجب أن لا يقوموا، به بل لم يكن يجب أن يفكروا فيه أصلاً؛ فدعم المنظمات والتنظيمات الخارجية والمحظورة أمر مرفوض واستغلال أموال التبرعات في أمور غير مساعدة المحتاجين والفقراء أمر لا يمكن السكوت عليه. لقد ادعى هؤلاء أنهم يأخذون تلك الأموال كدعم لغزة بعد الجريمة الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني في يناير الماضي، لكن من يصدق أن تلك الأموال ستدخل إلى غزة وكل من يعرف الطرق إلى غزة يعرف تماماً أن دخول \"ذبابة\" بدون معرفة إسرائيل أمر مستحيل، فكيف بأموال يدعي حاملوها أنهم ينقلونها إلى أهالي غزة أو إلى \"حماس\"... بالطبع لا يصدق هذه الأقوال إلا ساذج أو مغفل. هؤلاء أساؤوا إلى وطنهم ومواطني بلدهم قبل أن يسيئوا إلى أنفسهم، فتلك الأموال دخلت إلى مصر لدعم جماعة ينتمون إليها وعازمون على دعمها مادياً ومعنوياً وبكل ما يملكون، رغم علمهم أنها جماعة محظورة ورغم معرفتهم بأنه يجب أن لا تكون لهم أية علاقة بها. لقد كان أبناء الإمارات دائماً يحظون بمعاملة متميزة في جميع المطارات العربية ومطارات العالم نتيجة سجلهم النظيف في السفر وعدم تورطهم في أنشطة مشبوهة، ومن شأن مثل هذه التصرفات اللامسؤولة أن تغير هذا الوضع فيصبح المسافر الإماراتي محل شبهة وهدفاً للتفتيش والسؤال والاستجواب بشكل مستمر... الكل يخطئ، لكن هناك من تكون نتيجة أخطائه عليه فقط، وهناك من تكون نتيجة أخطائه على الآخرين بل وربما على وطن بأكمله.. وهؤلاء هم من الفئة الثانية؛ فكل ما يفعلونه يأتي بالضرر على الوطن وعلى المواطنين سواء أعرفوا ذلك أم لم يعرفوا، وسواء أقروا به أم أنكروه. في الأسبوع المقبل يبدأ شهر رمضان –أسال الله أن يبلغكم إياه جميعاً- وهذا الشهر هو موسم للاستغفار للبعض وللاستغلال بالنسبة للبعض الآخر... والكل يستعد له بما يسعى إليه، أما الفئة التي نتكلم عنها فرمضان بالنسبة لها هو الشهر الذهبي الذي تجمع فيه مئات الآلاف وربما ملايين الدراهم من تبرعات المحسنين والمتصدقين والساعين إلى الأجر والثواب... فالقلوب في هذا الشهر رحيمة كريمة والجيوب مفتوحة والمستغلين لهذا الوضع يعرفون ذلك تمام المعرفة ويلعبون على هذا الوتر بأفضل طريقة فيجمعون التبرعات وكأنها تذهب للفقراء وللمحتاجين واليتامى أو تذهب لبناء المساجد أو حفر الآبار أو طباعة المصاحف أو كسوة العيد وغيرها من طرق الصدقة، ولا نريد أن نشكك في الذمم، لكن من يعرف أين تذهب هذه الأموال وكيف تصرف وهل تصل لمن تبرع لهم المتبرعون بها أم أنها تنقل عبر حقائب اليد؟! كما فعل \"الإخوان\" الثلاثة وذهبوا بها لدعم جماعات وأحزاب هنا وهناك! وفي هذا الإطار، يجب أن لا ننسى أن هناك مسؤولية مباشرة تقع على كل محسن ومتبرع وهي أن يعرف أين تذهب الأموال التي يتبرع بها، فلا تكفي النية الطيبة في هذا الموضوع، خصوصاً بعد أن تبين أن ليس كل التبرعات تذهب إلى الجهات التي يتم الإعلان عنها، كما أن بعض الجمعيات والهيئات واللجان \"الخيرية\" لا تعمل بشفافية ولا تتسم بالوضوح في عملها، فالكل يعرف أنها تجمع التبرعات لكن لا أحد يعرف كم جمعت وأين صرفت تلك الأموال وكيف؟ إن المسؤولية الثانية تقع على المتبرع، أما المسؤولية الأولى فتقع على الأجهزة الحكومية وعلى وزارة الشؤون الاجتماعية التي تقع تحت مظلتها الجمعيات الخيرية، وذلك بأن تضع القوانين والضوابط التي تبين كيف تجمع التبرعات وأين تصرف بالضبط... وإلى أن يتم ذلك؛ لأن هذا الأمر قد يستغرق وقتاً، فإنه يمكن الاعتماد على هيئة الهلال الأحمر، الجهة الرسمية الرئيسية للعمل الخيري في الإمارات، فهي تمتلك الخبرة وكل أدوات النجاح.. أما هيئة الهلال الأحمر، فهي مطالبة أيضاً بتفعيل دورها بين فئات المجتمع المحلي، فالجهد الذي تبذله الهيئة والمساعدات المالية والعينية التي تقدمها طوال العام للمحتاجين في العالم أمر يستحق الإشادة والثناء، لكن هناك فجوة في الجانب المحلي لعمل \"الهلال الأحمر\"، بحيث يفترض أن تتفاعل مع الجمهور بأساليب جديدة وبطرق أكثر تأثيراً... فبالإمكانيات التي تمتلكها \"الهلال الأحمر\"، يفترض أننا لا نحتاج إلى أية جمعيات أخرى تقوم بالعمل الخيري، أو أنها تكون جزءاً من \"الهلال الأحمر\" تتكامل معها بدلاً من التنافس معها، \"فيفترض\" أن الجميع يسعى إلى هدف واحد وهو إغاثة المحتاج وإطعام الجائع والتعاون على البر والتقوى. إن تنظيم العمل الخيري في الإمارات أمر في غاية الأهمية حتى لا يخرج علينا بين الحين والآخر اثنان أو ثلاثة يحملون مئات الآلاف من الدراهم في حقائب سفرهم وينقلونها إلى دول أخرى بدعوى دعم العمل الخيري. وحتى لا نفاجأ بوضع اسم دولة الإمارات في سياق غير ملائم بسبب تصرفات غير مسؤولة. وحتى لا نشغل مسؤولي الخارجية عن مهمتهم الرئيسية بتصحيح وتفسير أخطاء فردية والدفاع عن الإمارات في الأمم المتحدة وأمام المنظمات الحقوقية الدولية بسبب تصرفات شخصية... فإن وضع القوانين والأنظمة التي تنظم العمل الخيري صار أمراً مهماً، وإلزام الجمعيات بالشفافية والوضوح في عملها صار أمراً لا يمكن التساهل فيه... فجهود أجيال من أبناء الإمارات وسنوات من أجل الحفاظ على سمعة ومكانة الإمارات بين دول العالم، لا يجب أن نفرط فيها وتضيع بسبب تصرف فئة تتوهم أن ما تقوم به هو عين الصواب، وتصر على ذلك، وهو في الحقيقة عين الخطأ بل الخطأ كله من أوله لآخره ومن \"ساسه إلى رأسه\".