لا تزال قضية الحج وانفلونزا الخنازير محل أخذ ورد من قبل الأطباء والفقهاء، فيما يتصل بمنع المسلمين من الحج لما يشهده موسم الحج من ازدحام هالك، سيؤدي وبلا شك إلى انتشار هذه الانفلونزا بين الملايين من الناس سواء بين الحجاج أو لموسم ما بعد الحج؛ لأن المسلمين "يموتون" في التقبيل في كل مناسبة. وللأسف، ان الأطباء المسلمين لا يزالون خائفين من إبداء رأي قاطع في هذه المسألة التي يتم التعامل معها بحساسية لا معنى لها، مما أدى بوزراء الصحة العرب في اجتماعهم الأخير إلى إلقاء المسؤولية على عاتق الأنظمة السياسية العربية، كل حسب ظروفه! وللأسف، ان ظاهرة خوف الطبيب المسلم من المتدينين هي مما قد يخلق الكثير من المتاعب للمريض. ففي رمضان، لا يقدم الطبيب المختص بمرض السكري أو القلب مثلاً رأياً قاطعاً للمريض بعدم الصوم خوفاً من التشهير به، فينصح الطبيب مريضه بالمحاولة أولاً، ثم يقرر بعدها مدى قدرته على الصوم، دون أي اهتمام بالجانب الطبي الذي يفترض أن له الدور القاطع في تقرير الصوم من منعه. وكذلك بالنسبة لطبيب القلب. وأنا أتحدث هنا عن تجربة شخصية حين طلب مني الطبيب الذي يعالجني من قرحة المعدة أن أجرب الصوم، وكانت النتيجة وبالاً، حيث نزفت القرحة واضطررت إلى العلاج المكثف، بعد أن قام أحد الأصدقاء بتوبيخي علناً بسبب الصوم. وكذلك في حالة مرض القلب حين سألت الطبيب عن الصوم، فكان يتردد في الكلام حتى حسمت الأمر، بإلزامه إعطائي الرأي الطبي في الموضوع، ثم قررت عدم الصوم. ولا شك في أن مرضى السكري كثيراً ما يترددون في حسم مسألة الصوم من عدمه بسبب نصائح الأطباء السخيفة حول محاولة "التجريب" مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتياطات الضرورية من قياس للسكر أثناء النهار، وتناول بعض السكريات قبل النوم. ومن الواضح أن هيمنة الفكر الديني على المجتمع هو سبب خوف الطبيب من إعطاء الرأي الطبي القاطع في مثل هذه القضايا، حيث يخشى الطبيب من اتهامه بعدم التدين، علماً بأن الفقه ليست له الأولوية على الطب في القضايا الطبية القاطعة. القصة نفسها، خوف الأطباء تتكرر اليوم فيما يخص مسألة الحج. فالأطباء يعلمون بالمشاكل المترتبة على إعطاء رأيهم بعدم الحج، فتركوا الأمر للفقهاء الذين لا يفهمون شيئاً في الطب، مما أدى إلى ضياع المسألة بين الطب والدين. وها هم بعض الفقهاء يتلاعبون بالناس، تارة ينصحون الأطفال والحوامل بعدم الحج، ثم اتسعت دائرة المنع للذين يعانون من أمراض مزمنة كالسكري والضغط والقلب، وهناك من الدول التي امتلكت الجرأة فمنعت العمرة في العشر الأواخر من رمضان، ولا شك في أنها ستمنع الحج بعد ذلك، ولا أدري لماذا يخاطر بعض الفقهاء بحياة الناس بهذه السهولة؟ كما لا أعرف كيف يخضع من له عقل لآراء رجل الدين الذي لا يعرف كيف يقرأ الواقع بشكل جيد؛ لأنه مدفوع بحماسته الدينية التي لا معنى لها؛ لأنها تقوم على الجهل. ولو أن وزراء الصحة العرب كانوا على ذلك القدر من الشجاعة لحسموا هذا الأمر، ولساعدوا المؤسسة السياسية في بلدانهم على اتخاذ القرار المناسب دون حاجة للتضحية بأرواح المسلمين. لكن تردد السادة الوزراء بسبب الخوف من الفقهاء كان السبب في هذه المشكلة التي يعيشها المسلمون اليوم. قضية الحج من عدمه يحسمها العقل الذي يأبى على صاحبه أن يلقي بنفسه إلى التهلكة، وإن كان هناك من المسلمين من يتمنى أن يصاب بالمرض في الحج لكي يموت شهيداً، كما أفتى بعضهم بجهل فاضح لقلة العلم بالدين.