تتحد الدول وتخلق بهذه الاتحادات فضاءات سياسية واقتصادية واجتماعية فاعلة لحماية وتنمية مصالحها ومصالح مواطنيها على أراضيها أو في محيطها وخارجه، وفي ظل هذا التوجه المبرمج لكافة دول العالم حسب الحاجة والمصالح، نرى الجمهورية اليمنية، وكأنها تسير في الاتجاه المعاكس لهذا كله. فاليمن يعيش حياة سياسية متوترة منذ أعوام زادتها مطالبات بالانفصال في الجنوب تتمثل في حراك سياسي غلب عليه الطابع السلمي وأخرى في الشمال يعلو صوتها بين الفينة والأخرى عبر فوهات البنادق الرشاشة والمدافع، ولا أرى أنها قريبة من الاستقرار. ويأتي هذا كله في بيئة اجتماعية تعتبر من أكثر البيئات جاذبية لنمو واستقرار الحالة الأمنية لتنظيم \"القاعدة\"، الذي وصل إلى درجة أنه تمكن من استعادة نشاطه العسكري الكامل، حسب ما رأيناه وسوف نراه على الأراضي اليمنية. ونظراً لأن القبائل اليمنية تعتبر السلاح جزءاً من موروثها الثقافي، إذ ينتشر في الجمهورية أكثر من 72 مليون قطعة سلاح، حسب إحصائية حكومية يمنية نشرت في عام 2007، أي ما يعادل 3.6 قطعة سلاح لكل مواطن يمني، حسب آخر إحصاء للسكان في اليمن عام 2004، وذلك على الرغم من الجهود الرسمية لجمع الأسلحة وتقنين استخدامها، ولا تزال نظرة أفراد هذه القبائل أو أغلبها -تحرياً للدقة- لعناصر هذا التنظيم أنها تخوض حربها المقدسة بالرغم من انكشاف زيف هذا التنظيم وانخراطه في أجندات سياسية بعيدة كل البعد عن ما يظهره ويدعيه من نصرة للمسلمين، وطلباً لإعادة حقوقهم، فمن وجهة نظر أبناء بعض هذه القبائل فهؤلاء يخوضون الجهاد ضد \"الكفار\"، ولا أعلم هل المصالح اليمنية الخاصة والعامة وأمنهم واستقرارهم هي الكفار؟!. ومن هذه الرؤية الضيقة والمخالفة لكل التعاليم السماوية، تشكل القبائل اليمنية بيئة مهمة لحضانة عناصر هذا التنظيم الذين أصبحوا يتقاطرون عليها من كل حدب وصوب، حسب آخر التقارير الدولية المعلنة في هذا الجانب. وعلى صعيد المطالبات بتقسيم اليمن إلى شمال وجنوب كما هي الحال قبل عام 1990، أعتقد أن هذه المطالبات لن تستطيع الصمود إلى هذا الوقت، ولن تجد من يؤيدها، لو أن المواطن اليمني في كافة أرجاء اليمن الموحد وجد اهتماماً حكومياً بهمومه اليومية الصغيرة قبل الكبيرة، وتمتعه بالعيش الكريم في أجواء من العدالة والمساواة مثله مثل غيره من مواطني الدول الأخرى، ولو أن هنالك فوارق اقتصادية، لكن تأمين العيش الكريم والعدالة أهم كثيراً من حياة الرفاهية، ولقطع المبررات التي يتذرع بها كل من ينادون بالتقسيم، والذين لاقوا تأييداً من تنظيم \"القاعدة\" فور إعلانهم بدء حراكهم، حيث وجدت \"القاعدة\" فرصتها الكبرى لإثارة الفوضى وعدم الاستقرار الأمني، فالفوضى بالنسبة إليها مثل الأوكسجين لكل رئة، إذ إن هذا التنظيم لا يستطيع العيش في بيئات مستقرة اجتماعياً وأمنياً وسياسياً، ولأن \"القاعدة\" تعلم جيداً أن في الاتحاد قوة، فإنها تنتهز الفرص التي تفكك هذا الاتحاد الاندماجي على الطريقة المشهورة \"فرق تسُد\". إن تنظيم \"القاعدة\" ونشاطاته المتصاعدة منذ ما يقرب من عقد من الزمان إن لم يزد على ذلك، وكان آخرها محاولة اغتيال وكيل محافظة لحج وقبلها إعلانه قصف القصر الجمهوري في محافظة مأرب، ولو أن وزارة الدفاع اليمنية نفت هذه العملية!، فهذه النشاطات لهذا التنظيم وعناصره تجعل عدداً من الدول المحيطة باليمن أو المهتمة بالشأن اليمني وسلامة أراضيه واستقراره وأمن ممراته المائية أن تنظر إلى هذا النشاط المتنامي للتنظيم المتطرف من زاوية القلق وربما الريبة في كون عناصره يتنقلون من وإلى اليمن عبر حدود هي شبه مفتوحة دون رادع لهذه التحركات، ففي الشمال والشرق يمثل رجال القبائل القوة المفترضة لحماية الحدود من المتسللين، ولم يمنع وجودهم التسلل من وإلى السعودية التي تحبط ما يزيد على ثلاثة آلاف عملية تسلل يومياً، ولم يسعفها الحظ في إحباط تهريب ثلاثة أطفال وامرأة مطلع شهر أبريل الماضي، ليلتحقوا بتنظيم \"القاعدة\" هناك، وهم زوجة أحد قادة تنظيم \"القاعدة\" في اليمن: السعودي سعيد الشهري، وابنتها الرضيعة منة، وطفلان آخران لها من زوجيها السابقين. وهذا التشكيل الفريد لقوات الحدود اليمنية يأتي خلافاً لكل دول العالم التي تحمي حدودها قوة تشكل من قبل وزارات الداخلية فيها يناط بهم حماية هذه الحدود من أي تسلل راجل أو راكب. وفي الجنوب والغرب قوات تابعة لخفر السواحل متدنية التسليح والعتاد، لم تستطع منع تدفق المهاجرين الصوماليين والأفارقة الفارين من الفقر والعوز وجحيم الحروب في بلدانهم من دخول اليمن، والذي يشكل فيه عدد المهاجرين الصوماليين فقط ما يقرب من المليون إنسان إن لم يكن هذا العدد قد ارتفع الآن، وذلك حسب آخر إحصاءات منظمات الأمم المتحدة المعنية بهذا الشأن في مطلع العام الجاري. على القيادة اليمنية أن تتفهم أكثر مطالب مواطنيها وتعي خطورة ما يحدث في اليمن من توترات ودعوات للتقسيم في الجنوب والشمال هي أقرب للعصيان الشعبي من جهة الجنوب وحمل السلاح في مواجهة الحكومة مثل ما يحدث مع \"الحوثيين\" هذه الأيام وانعكاساتها الأمنية على دول المنطقة ولن تقتصر على اليمن فقط، وتعالج مشاكلها الداخلية برؤية إستراتيجية واضحة بعيداً عن التكتيكات الارتجالية والمناورات السياسية الفردية قبل أن تتجه ولاءات المهضوم حقوقهم والفقراء لمن يعطي لا لمن يعد، في مجتمع تمثل الطبقة الفقيرة السواد الأعظم منه!. إن الشأن اليمني وأمنه واستقراره بالغ الأهمية لبلدان الخليج العربي، وفي مقدمتها السعودية التي تمثل اليمن لها الخاصرة الرخوة جراء ما يحدث فيها من توترات سياسية، فهناك مصالح مشتركة تجمع هذه البلدان باليمن سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً، ويعتبر اليمن بالنسبة لهذه الدول أيضاً السوق الواعد والغني بالقوة البشرية العاملة على الرغم من تكلفة تدريبها وإعادة تأهيلها؛ لذا ينبغي على اليمن السعي الحثيث لإنهاء حالات التوترات فيه وتطمين هذه البلدان على حالته الأمنية والسياسية ليتسنى لها تقديم ما يلزم من استحقاقات عليها في مؤتمر المانحين الذي قدمت جزءاً كبيراً من استحقاقاتها فيه ومازالت تقدم أكثر من ذلك، وتسهم في تأهيله تنموياً واقتصادياً ليتمكن من تحقيق طموحه وانضمامه إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية عضواً له كامل الحقوق وعليه كامل الواجبات.