تزايدت في الآونة الأخيرة جرائم النصب الإلكتروني التي تستخدم أحدث التقنيات، وأصبح مألوفاً تلك الرسائل التي تصل عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف الجوال لتهنّئ صاحبها بالفوز بمبلغ مالي كبير، ثم يتبين فيما بعد أنها وهمية، وتستهدف إما الاستيلاء على الرصيد المالي، وإما الدخول في شبكة معقّدة من الاتصالات والرسائل الهاتفية الخادعة، التي تنتهي باستنزاف مبالغ مالية من غير عائد حقيقي. من هذا المنطلق، تأتي أهمية الحملة الإعلامية المكثّفة التي بدأتها وزارة الداخلية، مؤخراً، بتوجيهات من الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، بهدف توعية أفراد المجتمع ومؤسساته بمغبّة الوقوع ضحايا لجرائم النصب والاحتيال الإلكتروني والرسائل النصية الهاتفية الخادعة. أهمية هذه الحملة الإعلامية تنبع من اعتبارين مهمّين: الاعتبار الأول يتمثل في تصاعد خطر هذه الظاهرة بشكل لافت للنظر خلال الفترة الأخيرة، حيث تشير الإحصاءات إلى أن إجمالي عدد عمليات جرائم النصب والاحتيال الهاتفي والإلكتروني التي تم الإبلاغ عنها على مستوى مدينتي أبوظبي والعين فقط منذ مطلع العام الجاري، وحتى منتصف يوليو الماضي، بلغ نحو 108 بلاغات، وبلغ إجمالي الأموال التي تم سحبها من الضحايا 250 ألف درهم. الاعتبار الثاني، هو أن هذه النوعية من الجرائم تنتمي إلى ما يسمى "الإجرام المنظّم" الذي أصبح يهدد كثيراً من دول العالم في الآونة الأخيرة، بعد أن شهد تطوراً في أساليبه وآلياته، وأصبح يستخدم الوسائل والتقنيات الحديثة ليس للاتصال بين المجرمين أو شبكات الفساد والعصابات فقط، وإنما أصبحت هذه الوسائل الحديثة تستخدم بذاتها أداةً للجريمة ووسيلةً لتنفيذها بشكل مباشر، بعد ما ظهر مؤخراً ما يعرف بالجرائم "الإلكترونية"، التي تستخدم فيها "الإنترنت" وسيلة لتنفيذها عن بعد. أهم ما يميّز الحملة الإعلامية التي تتولاها وزارة الداخلية للتوعية بهذه الجرائم أنها تسعى إلى إيجاد شراكة مع الجهات المختلفة للتوعية بمخاطرها وكيفية التعاطي معها، سواء في اهتمامها بتعزيز دور الرقابة الأسرية في توعية الأبناء وتحصينهم من مخاطر التقنيات الحديثة وسلبياتها، وتكثيف مراقبتهم وتوجيههم نحو الاستخدام السليم والهادف لتلك التقنيات، أو في دعوة الجهات المعنية وأفراد قطاعات المجتمع للقيام بدورهم ومسؤولياتهم في بثّ الوعي بخطورة الاستخدام السلبي لتقنية المعلومات. إذا كانت دولة الإمارات بحكم المكانة الاقتصادية والإلكترونية البارزة التي تحتلها اليوم تعدّ عرضة لهذا النوع من الإجرام الإلكتروني، فإنها على الجانب المقابل تتمتع بقدر عالٍ من الكفاءة والاحتراف، وتمتلك من الخبرة والأدوات التكنولوجية ما يؤهّلها للتعاطي مع هذه النوعية من الجرائم الإلكترونية بالقدر الذي تستحقه من السرعة والمبادأة والمهنية. التصدّي لجرائم النصب الإلكتروني لا يتوقف عند التوعية بمخاطرها، وإنما هناك تحركات موازية رسمية وشبه رسمية جادّة، لتوفير بيئة أكثر أمناً للتعاملات الإلكترونية، بما يوفر مناخًا إلكترونياً يعزز من الثقة بهذه التعاملات، وذلك من خلال اعتماد أحدث الآليّات والحلول لأمن الشبكات في قواعدها المتكاملة. وفي هذا السياق، أصدرت الإمارات أول قانون من نوعه في منطقة الخليج في فبراير 2006 لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، ولحماية أنظمة المعلومات والوثائق التي تنشرها الدّوائر والمؤسسات الحكومية على شبكة الإنترنت. ومع أهمية الجهود الحكومية في هذا الشأن، فإن تفاعل الناس مع هذه الجهود، واستخدامهم السليم لأجهزة الاتصالات، واستجابتهم لتعليمات الأجهزة المعنيّة ونصائحها في هذا الشأن، تمثل عنصراً أساسياً في أيّ استراتيجية مواجهة متكاملة لجرائم النصب الإلكتروني. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية