يمكن القول إن العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية الصين تعيش شهر عسل منذ وصول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وهو ما دفع الكثيرين إلى القول إن الولايات المتحدة والصين تستطيعان النهوض بأعباء العالم المضطرب معاً، بل والذهاب ربما إلى حد تشكيل مجموعة تقتصر عليهما، مجموعة يمكن أن نطلق عليها "الاثنين الكبيرين". ولئن كان من شأن مثل هذا الأمر أن يعود بمزايا وفوائد اقتصادية واستراتيجية على الجانبين، إلا أنه يتعين علينا ألا ننظر إلى العلاقات بين البلدين من منظار "الاثنين الكبيرين"، المتفائل نسبياً والمغرق في الطموح، حيث يُنظر إلينا من قبل بقية العالم باعتبارنا "المنقذَيْن المتحالفين"، بل إن المقاربة الأكثر واقعية للتعاطي مع العلاقات الأميركية- الصينية، في تقديرنا، تتمثل في نهج "الطريق الوسطي" الكنفوشي. ويعني استعمال الطريق الوسطي بالأساس أن على واشنطن وبكين ألا تكونان متفائلتين أكثر من اللازم، أو حتى متشائمتين أكثر من اللازم، بخصوص علاقاتهما الثنائية، مثلما أن عليهما ألا تبالغا في تقدير قدرتهما المشتركة بخصوص تشكيل النظام العالمي. وبدلاً من ذلك، ينبغي على الصين والولايات المتحدة أن تقدّرا التعاون الثنائي، على أن تكونا مستعدتين في الوقت نفسه للانحرافات الممكنة عن الطريق. أما المبدأ الذي ينبغي أن يحكم هذه الطريق الوسطى، فهو الحرص دائماً على حل المشاكل بطريقة سلمية وبراجماتية تقوم على الاحترام المتبادل. والواقع أن الصين تعلمت منذ وقت طويل حكمة التخلص من الرؤية التي تعتبر الذات مركز العالم. ومما يجدر ذكره في هذا السياق أن الرسم (الحرف) الصيني لكلمة "الصين" يعني حرفياً المملكة الوسطى، حيث كان الصينيون القدامى يعتقدون أن الصين هي مركز العالم وأن إمبراطورهم هو أعلى سلطة على وجه البسيطة، وذلك إلى حين قدوم الحضارة الغربية في بداية القرن الثامن عشر، والذي جعلهم يدركون أنهم يقتسمون مسؤوليات العالم مع غيرهم. واليوم، تدرك كل من الولايات المتحدة والصين جيداً أن البيئة التي يعملان فيها محكومة من نواحٍ كثيرة بظروف يخلقها لاعبون آخرون عديدون. والحقيقة أن وضع العقلية القديمة المتمثلة في السياسة الأحادية في وعاء جديد وتسميتها بـ"الاثنين الكبيرين" ليست حلاً عملياً لإنشاء عالم متعدد الأقطاب. ثم إنه حتى في حال كان نموذج مجموعة "الاثنين الكبيرين" ممكناً، فإنه ستظل هناك هوة كبيرة جداً بين الصين والولايات المتحدة إلى درجة أنها ستتطلب اقتساما غير متساوٍ للمسؤوليات من قبل البلدين. فعلى سبيل المثال، لا يمثل متوسط حصة الفرد من الناتج الداخلي الخام في الصين حالياً سوى ثُمن نظيره في الولايات المتحدة. وانطلاقاً من هذا المعطى، فإن البعض يجادل بأن مسؤولية الصين الأكبر تجاه العالم تقتصر، في مثل هذه الحالة، على مجرد الحفاظ على استقرارها وتوفير الغذاء لشعبها الذي يبلغ تعداده ملياراً وثلث مليار نسمة، أي ما يعادل خمس سكان العالم. ومن جهة أخرى، ينظر البعض إلى مطالب واشنطن لبكين باعتبارها محاولات لاستغلال الصين من أجل تحقيق مآرب في نفس الولايات المتحدة، بدلاً من النظر إليها كشريكٍ وندٍ حقيقيين. وفي هذا الإطار، كتبت إحدى كبريات الصحف السنغافورية مثلا، بعد انتهاء الحوار الاقتصادي والاستراتيجي الصيني -الأميركي، تقول "إن الصين باتت عضواً في مجموعة الاثنين الكبيرين"، في حين علقت صحيفة يابانية على الحدث تقول إن تعهد الولايات المتحدة بتمرير محرك الاقتصاد العالمي للصين "هو مجرد تكتيك يخدم المصلحة (الأميركية)". ومهما يكن، وسواء كتب لمجموعة "الاثنين الكبيرين" أن تخرج إلى حيز الوجود أم لا، فإن الأكيد أن "عقلين أفضل من عقل واحد"، كما يقال. والأكيد أن الصين والولايات المتحدة ستواصلان حوارهما حول المواضيع الرئيسة ذات الاهتمام المشترك مثل التجارة البينية، وسبل الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية، وظاهرة ارتفاع حرارة كوكب الأرض، والأزمة النووية في شبه الجزيرة الكورية، ومسألة حقوق الإنسان والديمقراطية. ومما لا شك فيه أيضاً أنه ستكون ثمة خلافات واختلافات بين البلدين، وأن النتائج ستلقي بظلالها على العلاقات الثنائية والعالم كافة. ونظراً لهذه الدينامية المتقلبة بطبعها، فيمكن القول إن الطريق الوسطي وحده يمكن أن يؤدي إلى علاقات متوازنة وتوقعات واقعية من بقية العالم. وتأسيساً على ما تقدم، نرى أنه يتعين على كلا البلدين أن تدركا أنهما لن تكونا صديقتين دائمتين، مثلما أنهما لن تكونا عدوتين دائمتين، غير أن الأكيد أن المصالح الدائمة ستؤلف بينهما من أجل مصلحتهما المشتركة ومصلحة العالم كافة. آن وو ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ زميلة "مركز بيلفر للعلوم والعلاقات الدولية" بكلية كينيدي التابعة لجامعة هارفرد الأميركية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"