تبقى الكويت في عين العاصفة بحكم كونها في منطقة إقليمية بالغة التعقيد يغيب عنها الاستقرار وترزح في خضم طافح من الصراعات والتحديات والطموحات السياسية، والحسابات الخاطئة لدول كبرى في الإقليم، ودول عظمى خارجه، ولكن لها مصالح ووجود ومشاريع فيه. هذا في الشق الخارجي والإقليمي. أما في الشق الداخلي، فلا تزال الكويت، كما ظلت خلال السنوات العديدة الماضية، تمر بمخاض مستمر، شبيه بمخاض عرفته مجتمعات ودول أخرى كثيرة مرت بما تمر به الكويت اليوم من تحديات وتدافع يطرحهما وجود مجتمع منفتح وقوى سياسية متباينة، ونسيج مجتمع مدني متطور، وقبل هذا وبعده صراع محتدم بين الحداثة والتقليد، والمجتمع والدولة، وبين شرائح المجتمع السياسي وفئاته الطائفية والعرقية والمجتمعية والمناطقية. كما يبرز أيضاً الموقف السياسي المشحون ودائم التوتر بين الحكومة ومجلس الأمة، الذي فاقم من مستوى الشحن السياسي والطائفي مؤخراً، متمثلاً بحل مجالس الأمة الثلاثة الأخيرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، واستقالة الحكومات الخمس السابقة تباعاً. واللافت في كل هذا، بل الأخطر، هو ما برز مؤخراً من نفَسٍ ونعرات طائفية بين الأغلبية السنية والأقلية الشيعية. وكان تقرير مركز دراسات الكونجرس الأخير قد أشار إلى ارتفاع حدة الشحن الطائفي في الكويت. وهذا يبرز واقعياً في تجليات عديدة، منها التخندق والتصويت الطائفي والمذهبي في الانتخابات. ومفهومٌ أن هذا يؤدي عادة إلى تضخم الطائفية والقبلية والمناطقية على حساب الوحدة الوطنية للمجتمع، ويقود، مع مرور الوقت، إلى فرز المجتمع على شروخ الصدع والجبهات والخطوط. لقد وصل مستوى النفخ الطائفي في الكويت حداً غير مسبوق، بما يجعل انعكاساته خطيرة إذا لم يتم احتواؤه ووأده مبكراً. والجديد في هذا المقام أن د. معصومة المبارك، أول وزيرة ونائبة كويتية، والتي دخلت التاريخ السياسي والاجتماعي الكويتي من أوسع أبوابه، تسلمت مؤخراً رسالة تهديد تحمل نفَساً طائفياً خطيراً، لا مكان له في الكويت. وقد تضمنت الرسالة إساءة للطائفة الشيعية التي تنتمي إليها الدكتورة النائبة، وتهدد بإلحاق الأذى بها، كما أُرفقت الرسالة بصورة مشوهة للنائبة. وقد اتهم "كاتب" الرسالة النائبة، مع اثنتين من النائبات اللواتي فزن في الانتخابات الأخيرة، بأنهن "تلقين دعماً من السفارة الأميركية، لولاه لما وصلن، وأنهن سيرددن الجميل لأسيادهن"! ويأتي هذا التصعيد الطائفي الخطير على خلفية تراشق لفظي بين نواب سنة وشيعة مستمر منذ العام الماضي، بعد قيام نواب شيعة بتأبين القائد العسكري لـ"حزب الله" عماد مغنية، مما أدى إلى فرز طائفي كبير. كما تم اعتقال هؤلاء النواب والتحقيق معهم من قبل جهاز أمن الدولة. هذا زيادة على رفع وزير الداخلية دعاوى ضدهم. كما رفعوا هم أيضاً دعاوى ضد منتقديهم، خاصة من الكُتاب الكويتيين. وبعد فوزهم في انتخابات مجلس الأمة السابق، قام أحد النواب الشيعة، (صالح عاشور)، بدعوة رجل دين شيعي إيراني هو محمد الفالي، الذي يتهمه نواب سُنة بالإساءة إلى معتقداتهم، وسرعان ما تم تقديم استجواب لرئيس الوزراء على تلك الخلفية، مما أدى إلى استقالة الحكومة في نهاية العام الماضي. وقد وصل التراشق الطائفي حداً خطيراً خاصة خلال الأسبوعين الماضيين بعدما صدرت مجلة "الفرقان"، وهي المجلة الأسبوعية للتجمع السلفي، بغلاف لعددها الأخير يحمل صورة سمكة قرش وعلى رأسها عمامة سوداء فوق الخليج العربي. مما استفز مشاعر الشيعة، الذين وجّه نوابهم انتقادات لاذعة لهذا التصرف، على رغم تأكيد رئيس تحرير "الفرقان" أن المقصود بالصورة ليس رجل الدين الشيعي الكويتي محمد المهري، بل رئيس الحرس الثوري الإيراني لتهديداته الدائمة باستهداف دول الخليج وإغلاق مضيق هرمز. ولعل التراشق الطائفي بين النواب، وداخل المجتمع الكويتي، يختصر حدته، بشكل خاص، ذلك التراشق غير المباشر بين النائبين د. معصومة المبارك ود. فيصل المسلّم. ففي بيان لها، علقت معصومة المبارك رداً على دفاع النواب الإسلاميين عن اعتدال وصدقية مجلة "الفرقان" قائلة: "كان حرياً بهذه الأصوات التي انبرت للدفاع عن (الفرقان) أن تتوجه للقائمين عليها بالنصح بعدم إثارة الفتنة وتهديد الوحدة الوطنية. ولكن أقل ما يُقال حول هذه الفزعة لـ(الفرقان) أنها اصطفاف طائفي بغيض". وقد رد النائب الإسلامي المستقل فيصل المسلّم على معصومة بقوله: "لقد ناصحنا (الفرقان)، ولكن ذكريني متى ناصحتم مَن لا يقف مداد حبر بياناتهم المثيرة للأذى والفتن؟ أهل الكويت يعرفون مَن الذي يتكسّب انتخابياً أو يصطف طائفياً. ومع ذلك نكرر ما قلناه لعن الله من يشعل الفتن... فخذوا على أيدي مثيري الفتن بالتصريحات والمطالبات المؤذية؛ لأن كل فعل له رد فعل". ومؤخراً، طالب النواب الحكومة بالتشدد في تطبيق القانون على مثيري الفتنة الطائفية في ما طالب نائب رئيس مجلس الأمة عبدالله الرومي النواب بالاتفاق على "ميثاق شرف" يوقف وينهي التصريحات المستفزة التي تثير النعرات الطائفية. كما طالب وسائل الإعلام بالابتعاد عن التكسب من وراء مثل هذه القضية. وفي المقلب الآخر، وكأنه لا يكفي الكويت هذا التصعيد الطائفي بين النواب، وفي المجتمع الكويتي، فقد اكتشفت قوى الأمن في الوقت نفسه خلية إرهابية نائمة متأثرة بفكر "القاعدة"، وقد ألقي القبض على أفرادها الستة، وكانوا يخططون لتفجير معسكر عريفجان، أكبر معسكر للقوات الأميركية في الكويت، ومبنى أمن الدولة، وبعض المواقع الأخرى الحساسة. وكانت الكويت قد نجحت في منع أي عملية إرهابية على أراضيها منذ يناير 2005. وما كشفته التحقيقات الأولية مع الموقوفين يثبت محدودية وافتقار الخلية إلى التخطيط الاستراتيجي واللوجستي، باختيار أهداف بالغة التعقيد والتحصين ولا يمكن اختراقها. والسؤال الآن: هل هذه الخلية هي فقط إحدى الخلايا النائمة؟ وما عددها، وأهدافها، وخطورتها، إن وجدت؟ وبعد مرور عقدين على الاحتلال العراقي، وتحالف الكويت الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وبوجود عسكري أميركي كبير، تبدو الكويت مفتوحة على إفرازات الحالة العراقية من عوارض الفرز الطائفي، وإفرازات العداء، ومحاربة الأميركيين. وهذه الظواهر دخيلة على الكويتيين، ولا تحظى بالكثير من الدعم والتأييد في المجتمع الكويتي. وهذا ما يعبر عنه الكثير من الكويتيين، وبشكل يعكس مقاومة مثل هذه الظواهر المرفوضة، جملة وتفصيلاً، والتي لا مكان لها في الكويت.