عندما طالبني أبنائي بضرورة قضاء بضعة أيام في مدينة شرم الشيخ بحثاً عن الرياضات المائية التي لا تتوافر إلا في شواطئ البحر الأحمر، لم أكن أتصور أنني سأنتقل إلى مدينة للعرب من كافة أقطارهم، دهشت لعدد العائلات الخليجية والأردنية التي قررت أن تتخذ من "خليج نعمة" مقراً لها. عادة كنتُ أزور المدينة في الشتاء، حيث يتميز جوها بالدفء، الذي يسمح بالتريض الممتع بعيداً عن أنواء القاهرة، فأجد نفسي محاطاً بالسياح الأوروبيين الهاربين من زمهرير أوروبا المثلج. هذه المرة لم أجد سوى عدد قليل من هؤلاء، بينما اصطبغت المدينة والشواطئ باللون العربي والأسمر والقمحي، وغلبت على الموجودين فيها الملابس العربية، وغلب الصوت العربي بلهجات متعددة على الدردشات المسموعة، وعلى نداءات الآباء والأمهات للأطفال على نحو يستحق أن يسجله مخرج سينمائي لتجسيد الطابع الاجتماعي العربي. أسعدني حقاً كل صباح، عندما ذهبت إلى الشاطئ لأحجز شمسية لعائلتي، لقاء رب أسرة عربي يجاورني، فنتبادل الحوار الودي إلى أن يمر بائع الصحف فيشتري كل منا صحيفته، وبعد إلقاء نظرة على العناوين، يعلق أحدنا على خبر ما يهمه وينشأ حوار سياسي حول أحوال السياسة الدولية. بين متعتين كبريين، قضيت بضعة أيام، الأولى متعة مراقبة الشعب المرجانية الملونة بالقرب من الشاطئ، وتأمل مستوطنات في داخلها بألوان تخطف الأبصار، وهي رياضة يتمتع بها الجميع من كافة الأعمار، للطفها وهدوئها وإن كانت تعطي لكبار السن والأطفال الصغار بهجة خاصة منها دون حاجة للمجهودات العضلية التي تقتضيها رياضة الغوص إلى الأعماق البعيدة عن الشاطئ. أما المتعة الثانية، فكانت الحوارات السياسية مع الأشقاء العرب. من أكثر القضايا التي شغلت الوقت كانت قضية مطالبة العرب من جانب إدارة الرئيس الأميركي أوباما بالتطبيع المبكر مع إسرائيل قبل الانتهاء من الاتفاقيات السلمية وإنجاز الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. في كثير من الحوارات ظهر اندهاش من المتحاورين العرب من مختلف الأقطار لهذا المطلب خاصة أن بعضهم قد سجل أن العرب سبق لهم وقدموا في التسعينيات بوادر لتشجيع ميول السلام مع إسرائيل بافتتاح مكتب تمثيل تجاري لبعض الدول، ومع ذلك فإن الإسرائيليين اعتبروا هذه البوادر حقاً مكتسباً على طريقتهم المعتادة. وبدلاً من أن يقدموا في المقابل نوايا وتحركات إيجابية في عملية السلام، فجروا العدوان على المسجد الأقصى، وعملوا على قمع الشعب الفلسطيني أثناء الانتفاضة، ثم أعادوا احتلال الضفة والمدن الفلسطينية، وصولاً إلى حصار شريك السلام واتفاقيات أوسلو الرئيس عرفات وتصفيته بدنياً. هنا لم يجد المنطق الآخر مؤيدين وهو المنطق الذي يقول: ولماذا لا نساعد الرئيس أوباما على دفع عملية السلام، ونلبي له هذا المطلب الذي يمكنه من القضاء على الدعاوى التي يرفضها "اليمين" الإسرائيلي بأن العرب لا يريدون السلام، وأنه لا يوجد شريك للسلام بينهم. لقد انتهت الحوارات في معظم الحالات إلى أن هذه الادعاءات "اليمينية" الإسرائيلية مكشوفة الأهداف، فـ"اليمين" يؤمن بأرض إسرائيل الكاملة، ولديه ميول معلنة للتوسع ورفض لإقامة دولة فلسطينية بمقومات الدولة، وبالتالي فهو يراوغ أوباما بهذه الادعاءات. قال أحد الأشقاء: إذا كانت إدارة أوباما لا تفهم حقيقة المواقف "اليمينية" الإسرائيلية، فإن الموقف سيكون مظلماً، فـ"اليمين" الإسرائيلي سيعتصر إدارة أوباما بالطلبات، وهي ستقوم بدورها بالضغط على العرب لاعتصارهم بشأن التطبيع لينتهي الأمر عند هذا الحد المضحك الذي سبق أن عشناه. يتساءل آخر: لماذا لا يسأل رجال أوباما أنفسهم: لماذا أغلقت الدول العربية مكاتب التمثيل التي فتحتها في إسرائيل من قبل؟ ألا يعني هذا أن العرب قدموا بوادر حسن النية وعندما لم يجدوا مقابلاً إسرائيلياً لها تراجعوا عن الدفع المجاني؟