نتيجة للممارسات التي تقوم بها إيران في المنطقة على الصعد العسكرية والسياسية، خاصة تطويرها لقدراتها العسكرية كافة التقليدية وغير التقليدية التي تحتاجها والتي لا تحتاجها للدفاع عن نفسها والمعدات والوسائل التي يمكن أن توصلها إلى أهدافها النهائية القريبة من إيران والبعيدة عنها، أصبح الخليج العربي والمنطقة العربية وجوارهما الجغرافي، بل وإيران ذاتها، أكثر عرضة للمخاطر الأمنية الآتية من إسرائيل ودول غربية سواء أكانت أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو غيرها. وتتمثل تلك المخاطر في احتمالات قيام إسرائيل مدعومة من دول غربية عديدة بتوجيه ضربات عسكرية جوية أو أعمال عسكرية موجعة بأشكال أخرى ربما لن يكشف النقاب عنها إلا بتنفيذها. وفي مثل هذه الحالة، سيكون المتضرر الأكبر، هو دول الخليج العربية. منذ قيام الثورة، وإيران تشكل تحدياً وتهديداً جوهرياً للدول العربية في الخليج، وينطلق ذلك التهديد من شعارات تصدير الثورة ومقولات الهيمنة، فهذه الشعارات والمقولات مازالت حية وتنتظر إيران الفرصة المواتية لتنفيذ ما يمكن تنفيذه منها ولو على مراحل. ورغم التهدئة التي شهدتها تلك الشعارات أثناء فترة حكم من يعرفون بـ\"الإصلاحيين\" في إيران، إلا أن الممارسات الخفية والكامنة تشير إلى ذلك وتعززه. وينعكس ذلك بصورة سلبية على أمن الخليج، خاصة في ظل طرح إيران لذاتها كمهيمن إقليمي مهمته الأساسية من وجهة النظر الإيرانية تحقيق التوازن الاستراتيجي في المنطقة كبديل للقوي الأجنبية خاصة الولايات المتحدة الأميركية. المسعى الإيراني نحو الهيمنة في الخليج العربي يتضح من خلال رفض إيران التعامل مع دول الخليج العربية على قدم المساواة، ورفض حل المسائل الحدودية العالقة بينها وبينهم، خاصة قضية جزر الإمارات العربية المتحدة الثلاث أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى بالطرق السلمية الدبلوماسية أو من خلال عرضها على محكمة العدل الدولية في لاهاي، ورفض إيران القاطع لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1737 بتاريخ 2006/12/23، الذي يلزم إيران بوقف تخصيب اليورانيوم في داخل أراضيها. لقد أدى ذلك التطور إلى زيادة عداء المجتمع الدولي لإيران وعزلتها بشكل عام من خلال قرارات الأمم المتحدة ومواقف الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل خاص، وهو أمر لا يلغي احتمالات استخدام القوة ضد إيران، خاصة من قبل إسرائيل. وطرحنا هذا، ينطلق من أن إسرائيل ليست لديها سياسة أمنية مؤطرة يمكن فهمها أو التكهن بماهية مخططاتها واحتمالية ما قد تقدم عليه، وتفتقر إلى العمق الاستراتيجي اللازم لبناء سياسة أمنية صلبة. وهذا يعني أنه مازالت تسيطر على فكرها العسكري- الاستراتيجي دوافع أمنية من الخوف الشديد من الدول المحيطة بها بما في ذلك إيران الثورية، وهذا يجعلها تتعامل بعنف شديد جداً مع بيئتها الإقليمية. لقد دفعت تلك الوضعية المشوبة بالخوف الشديد إسرائيل إلى تحقيق تفوق عسكري دائم على مجمل دول الإقليم، ويمثل هذا التوجه أحد الأركان الأساسية لمفاهيم الأمن الوطني الإسرائيلي. ولو حدث وأن حازت إيران أو غيرها من دول الإقليم أسلحة نووية، فإن ذلك سيكون إخلالاً صارخاً بمفاهيم الأمن الوطني الإسرائيلي، وهو أمر ستسعى إسرائيل إلى منعه بكافة الوسائل المتاحة لديها، وهنا يكمن مصدر الخطر على دول المنطقة برمتها. أكبر المخاطر الآتية من نتائج الممارسات الإيرانية النووية، ستنصب على دول الخليج العربي، فالتطورات الحالية للأزمة تشير إلى أن هذه الدول هي أكبر الخاسرين بغض النظر عما سيسفر عنه التجاذب القائم حالياً، ففي حالة إقدام إسرائيل أو غيرها على ضرب إيران عسكرياً لتدمير منشآتها النووية، ستقوم إيران باستهداف دول الخليج العربي، خاصة التي توجد فيها قواعد عسكرية للولايات المتحدة أو تلك التي تقدم تسهيلات لها. وإيران تبدو قادرة على ردود أفعال، كتلك في ظل امتلاكها لترسانات عسكرية ضخمة من الأسلحة والغواصات والصواريخ. أما في حالة التوصل إلى تسويات وقبول دولي لبرنامج نووي إيراني سلمي، فإن دول الخليج العربي ستواجه مخاطر التلوث البيئي، الذي سيصيب المنطقة من تسرب الإشعاعات والنفايات النووية إلى مياه الخليج وأجوائه مما يعني تلوث المياه التي يعتمد عليها لإنتاج مياه الشرب، وتدمير البنية البحرية والثروة السمكية، وهي أمور أهونها مر وقاس. وحتى الآن، لم تتوصل دول الخليج العربي إلى آلية للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، وترى أن إنهاء هذا الملف يمكن أن يتم بالطرق السلمية. لكن قلق عرب الخليج من هذا البرنامج واضح، وربما يفوق قلق الآخرين؛ لذلك فإن دول الخليج العربي تطالب بالتعاون الجاد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وجعل الخليج العربي والمنطقة العربية وجوارها الجغرافي خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، مع تأكيد أن الحصول على الطاقة النووية للاستخدامات السلمية أمر مشروع لكافة الدول وفقاً للشرعية الدولية.