أسبوع من الزمان قبل أن يهل علينا رمضان، ولعلها فرصة أن أبارك لكم قرب هذا الشهر الذي يفرح فيه الناس جميعاً لأنه شهر القرآن والصيام. ولست هنا بصدد الحديث عن فضائل هذا الشهر، كما أني لن أتطرق إلى مسائله الفقهية، بيد أني أجد الفرصة مناسبة للكتابة عن أمر قد خفي على البعض. شهر رمضان نخطئ عندما نبدأ الرحلة معه في أول يوم منه، لذلك لا يجد البعض لهذه العبادة من أثر في حياته بعد هلال شوال، فأسبوعنا هذا فيه واجبات لابد من الانتباه لها كي نحقق النتائج القصوى من هذا الشهر. من أول الواجبات أن نجدد النية، وهي ركن أساسي في كل العبادات، بل هي الركن الأساس، ويكفينا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عندما قال: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فما هي نيتك أخي الكريم في رمضان؟ البعض يصوم لأن الناس صاموا، وآخرون يتصدقون لأن البشر تصدقوا، وآخرون يضبطون جوارحهم لأن الناس كذلك فعلوا. والسؤال عندها، وهل لهذا التقليد من فائدة مرجوة ربما يكون الجواب بالإيجاب، لكننا في هذا الشهر نريد تحقيق الفائدة القصوى، فالنية مطية، كما نقول في الأمثال المحلية، وبمقدار أخلاص نيتك يرتفع عملك، فجهد قليل ونية صادقة يكون أفضل من عمل كبير جداً، لكن النية فيها خلل أو شرك خفي أو جلي، فدعونا نخطو أولى خطوات الصوم، بأن يكون مخلصا لله وحده. ثم أن الصيام رياضة قلبية قبل أن يكون حرماناً جسدياً، فنحن نعرج بأرواحنا في رمضان من خلال حرمان الجسد من بعض ما أباحه الله لنا في غير نهار رمضان، والقصد من هذا هو التقوى كما ذكر الله تعالى ذلك في القرآن الكريم \"كتب علكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون\"، ومحك التقوى هو الخوف من الله وأكبر علامات هذا الخوف هو الامتناع عن ما حرم خالقنا. في رمضان نحن نمتنع عن بعض الحلال، كي يقبل الله منا الصيام، فلا نأكل ولا نشرب ولا نقرب ما أحل الله لنا من النساء، فإذا كانت لدينا الاستجابة الصادقة لأمر الله تعالى، وامتنعنا عن ما أحله لنا في غير نهار رمضان، هل من العقل أن نخرق هذا العهد بارتكاب بعض المحرمات فور الإفطار، لن أعدد ما يقوم به بعض المسلمين في ليالي رمضان، لكن هذه الأمور تقول لهم بصوت عال إنكم لم تحققوا حقيقة الصوم في تقوى الله تعالى، فامتنعتم عن الحلال في النهار، ولم يكفيكم الحلال بما وسع ليلًا حتى اقترفتم الحرام. رمضان شهر مناسب كي نبدأ توبة صادقة لله تعالى من كل الذنوب كبيرها وصغيرها، فإذا ما زللنا من بعد ذلك ونيتنا صادقة، فإن الله غفور رحيم. رمضان شهر الإرادة القوية، وهو فرصة للتغيير نحو الأحسن، كما أسعد في حواري مع بعض المدخنين الذين نجحوا في جعل رمضان آخر عهد لهم بالسيجارة، التي أجمع أهل العلم على خطورتها، وشعارهم إذا ما كنت قادراً على ترك هذا الذنب نهار رمضان، فهل من المنطق أن أعود له ليلًا، وإذا أكرمني الله بالامتناع عن السجائر طوال الشهر المبارك، هل من العقل أن أعود لذلك يوم العيد، هذا هو ما نسميه بالإرادة القوية في التغيير، هناك أمور قلبية بإمكاننا التغلب عليها في رمضان، فمن كانت بينه وبين أحد شحناء أو زعل فرمضان شهر المسامحة، وينبغي أن لا يكون للشيطان مكان في قلوبنا يفسد بهذا أجرنا ويؤخر عنا عفو خالقنا، فمن الإرادة القوية في رمضان أن نصلح ما بين أنفسنا والآخرين وأن نصفي قلوبنا من الغل والحسد. وبهذا يكون رمضان شهر التغيير الإيجابي في حياتنا، وكل رمضان وأنتم إلى الله أقرب.