تحول مشهد \\\"أمير أجمل كساب\\\" وهو يتحرك بالقرب من محطة القطار في مومباي برشاشه AK-47 الذي أسقط به العديد من الضحايا المدنيين إلى صورة قاتمة تختصر الهجمات الإرهابية المروعة، التي تعرضت لها المدينة بعدما قام المنفـذون العشرة برحلتهم البحرية التي نقلتهم من كراتشي في باكستان إلى سواحل مومباي بالهند، ليرتكبوا إحدى أشد الهجمات الإرهابية فظاعة في تاريخ الهند. وبعد شهور على تنفيذ الهجمات الإرهابية التي تركت أثراً عميقاً ومدمراً في الوعي الهندي عامة، وفي مومباي خاصة، نعود اليوم لنعيش فصولاً من الكابوس المخيف من خلال وقائع المحاكمة التي تجري حالياً للإرهابي الوحيد الذي ظل على قيد الحياة، وتمكنت الشرطة من اعتقاله، وهو نفسه الذي زرع الرعب في محطة القطارات وحصد أرواحاً بريئة.. إنه \\\"أمير أجمل كساب\\\" الذي يحمل الجنسية الباكستانية، وتلقى تدريباً في أحد المعسكرات بباكستان قبل أن ينفذ مع الآخرين عملية مومباي. ورغم تعرف العديد من شهود العيان على هويته، فضلاً عن التقاطه من قبل الكاميرا المثبتة في محطة القطار، استمر \\\"كساب\\\" في الإصرار على براءته خلال المراحل الأولى من المحاكمة، نافياً أي علاقة مع الهجمات بعدما وجُهت له تهم القتل والتآمر وشن الحرب على الهند بالإضافة إلى مجموعة أخرى من التهم الثقيلة الكفيلة بإرساله إلى حبل المشنقة. إلا أن الانقلاب الدراماتيكي، جاء في الأسبوع الماضي عندما غير المتهم إفادته، وتوقف عن الإنكار ليعترف بجميع التهم المنسوبة إليه، ويقر بمشاركته في هجمات مومباي، مؤكداً أنه أدلى باعترافه طواعية من دون التعرض لأي ضغط. وعندما سأله قاضي المحكمة عن هذا التغير المفاجئ في موقفه، أجاب \\\"كساب\\\" أن باكستان كانت تنكر في البداية جنسيته الباكستانية، وتنفي أن يكون أحد مواطنيها. لكن اليوم، وبعد قبول إسلام آباد بجنسيته، فقد أبدى استعداده للاعتراف، وهو ما قام به بالفعل، إذ مباشرة بعد إقرار باكستان بأن \\\"كساب\\\" هو أحد مواطنيها، بادر هذا الأخير بالاعتراف بمشاركته في الهجمات منوهاً إلى إنه يريد أن ينال عقابه وتنتهي المحاكمة قائلاً: \\\"مهما كان الشيء الذي اقترفته فإني قمت به في هذا العالم، ومن الأفضل أن أعاقب عليه في هذا العالم بدل انتظار العقاب في العالم الآخر، لأن الأمر هنا سيكون أقل صعوبة من العقاب الإلهي، وهو ما دفعني للاعتراف بأنني مذنب\\\"، مضيفاً: \\\"وإذا كان أحدكم يعتقد بأني اعترفت بالجريمة هرباً من عقوبة الإعدام والتماساً للرحمة والصفح، فعليه أن يراجع نفسه\\\". ولا شك أن اعتراف \\\"كساب\\\" بجرمه، والتصريحات اللاحقة التي أدلى بها، فتحت أمامنا نافذة مهمة لفهم ما يجري في ذهن هذا الشاب، الذي أرسل إلى الهند بنية قتل أشخاص أبرياء وتحطيم حياة مئات الآخرين وتراوحت تصريحاته في قاعة المحكمة بين القسوة وبإبداء الندم، بل ألمح إلى رغبته في البقاء ضمن مجتمع متعدد الثقافات والديانات، يتسم بقدر معقول من التسامح. كما أن إعلان رغبته في محاكمته بالهند، قد يعكس أيضاً رغبته في العيش فيها حتى نهاية حياته، فهو يعرف أنه رغم الغضب الشعبي الواسع والأدلة الدامغة التي تحيط به من كل جانب، إلا أنه سيلقى محاكمة عادلة وحرة في الهند، ضمن القوانين المعمول بها في هذه الحالات. ومما لا شك فيه إنه سيحاكم محاكمة عادلة، قد لا يتسنى إجراؤها في مكان آخر قد يتعرض فيه للخطر، أو أن يكون من الصعب اقتفاء أثره. والحقيقة أن باكستان سعت منذ الوهلة الأولى لإعلان النبأ من قبل وسائل إعلامها المحلية وتعقبهم لعائلة المتهم داخل باكستان، وتحديداً في منطقة البنجاب إلى تغطية الموضوع والتعتيم عليه. وقد واصلت إسلام آباد إنكارها لأي علاقة مع \\\"كساب\\\"، ونفت انتمائه إلى باكستان حتى بعدما نشرت إحدى الصحف الباكستانية حواراً مع والد المتهم الذي تعرف على ابنه باعتباره الإرهابي الذي نفذ الهجمات في محطة قطار مومباي، لكن مباشرة بعد الحوار اختفت عائلة \\\"كساب\\\" من القرية التي كانت تقطن بها، وبدأ سكانها ينفون معرفتهم بالمتهم، أو بعائلته. ولم تقبل إسلام آباد بالأمر الواقع وتستسلم للأدلة الدامغة التي تثبت بما لا يدع مجالا للشك جنسية \\\"كساب\\\" الباكستانية، إلا بعد مرور ثمانية أشهر على العمليات الإرهابية، وإنْ كانت لم تطلب من السلطات الهندية تسليمها جثث المنفذين التسعة الذين مازالوا في مستودع الموتى بمدينة مومباي، بحيث من الواضح أن باكستان لا تنوي في الوقت الراهن طلب استعادتهم، وهو ما أكده مسؤول في وزارة الخارجية الباكستانية عندما أعلن بأن بلاده لا تعتزم استرجاع جثث مواطنيها الذين نفذوا الهجمات. وبالطبع شكل إلقاء القبض على \\\"كساب\\\" والحفاظ على حياته فرصة مهمة لمعرفة تفاصيل العملية وتتبع خيوط المؤامرة التي قادت إلى الهجمات المأساوية، حيث كشفت التحقيقات أن المنفذين العشرة كانوا طيلة مراحل العملية ينسقون مع الأشخاص الذين يقفون وراءهم في باكستان. وبالإضافة إلى ذلك تبين من خلال التحقيقات أن الإرهابيين تلقوا تدريبات في معسكرات داخل باكستان تابعة لجماعة \\\"عسكر طيبة\\\" موضحاً المسار الذي انتهى به في الهند، فقد وصف كيف وقع عليه الاختيار مع باقي عناصر العملية واستقلوا سفينة \\\"الحسيني\\\" الباكستانية التي نقلتهم خارج المياه الإقليمية لباكستان حيث قاموا باختطاف سفينة هندية حملتهم إلى مومباي. كما أوضح \\\"كساب\\\" كيف انقسم المنفذون لدى بلوغهم المدينة إلى مجموعات صغيرة ليتوجه المتهم ومعه رفيقه \\\"أبو إسماعيل\\\" إلى محطة القطار ليبدآ في الإطلاق العشوائي للنار على المواطنين قبل أن ينتقلا إلى مستشفى \\\"كاما\\\"، وفي طريقهما قتلا رئيس شعبة مكافحة الإرهاب في شرطة مومباي \\\"فيجاي سالاسكار\\\"، وفيما سقط \\\"أبو إسماعيل\\\" على يد الشرطة اعتقل \\\"كساب\\\" حياً.